ولما أرادوا حجب سماء الدوحة.. كُشف أمرهم!

إن محمد البوعزيزي حينما أضرم نيران الغضب في جسده النحيل، ألهب مشاعر كرامة وعزة لم يعرف “قراصنة الخليج” لها طعما وخيل إليهم أنهم بأموالهم قادرون على شراء ذمم أناس يعتزون بكرامتهم.

منذ سنة، أرادت الإمارات العربية المتحدة رفقة كل من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين حجب سماء الدوحة عبر فرض حصار غاشم، فإذ بالرباعي يكشف عن عورات لم تفلح حتى رياح الربيع العربي في تونس في إماطة اللثام عنها.

ولئن أثار قرار “إخوة يوسف” جدلا واسعا في جميع بقاع العالم، إلا أنه كان، هنا، أشد وطأة باعتبار علاقة الثورات الوطيدة بدولة قطر خاصة وأن هذه الأخيرة بذلت جهودا كبيرة في درء محاولات اغتيال الديمقراطية الوحيدة في شمال أفريقيا.

وبالنظر إلى أن المكر والغدر لا ينموان إلا في مجتمعات الظلم والطغيان فإن أراجيف الإمارات العربية المتحدة وحلفائها، سرعان ما انكشفت، وبالرغم من المؤامرات الخارجية الحثيثة في استنساخ سيناريو الانقلاب المصري، فإن الأرض الخضراء “تونس” تعيش عصرا من الحرية .. حرية مسحت مساحيق التجميل عن أذرع أبناء زايد الإعلامية، لتعري قذارة فاقت الحدود على حد وصف الكاتب بصحيفة “الإندبندنت” البريطانية “أنتوني هاروود”.

فكان المحسوبون زورا وبهتانا على مهنة الصحافة كلما رددوا أكاذيب قناتي ‘العربية” و”سكاي نيوز” وغيرهما إلا وفاحت رائحة الأرز من أفواههم لتجعلهم بين المواطنين محل تهكم وسخرية وتضعهم موضع حرج كبير، ولكنهم مثل أسيادهم، لا يعرفون للحياء عنوانا.

وفضلا عمن احتكروا مصاديح المذاييع ومنابر القنوات التلفزيونية والصفحات الأولى للصحف، فقد فضح حصار قطر علماء دين لطالما أحسن التونسيون الظن فيهم، وقراء ملأت تلاواتهم، كل صباح، أرجاء دكاكين أحيائها الشعبية، ليقف التونسيون بعد نبأ الحصار وبعد أن تنكر إمام الحرمين ومفتي ثاني القبلتين لمبادئ الإسلام، على حقيقة من تستروا باللحي والجلابيب وبالحناجر العذبة وبدموع التماسيح، ليظهروا عراة وتتحول محاضراتهم إلى لغو أعرض المواطنون في بلدي عنه.

وإحقاقا للحق، فقد بدأ التونسيون في اكتشاف حقيقة الإعلام الإماراتي و”الدين السعودي”، المخجلة، منذ سنوات طوال، حتى أن تأثيرهما على المواطن كان أقرب منه إلى الصفر.

ولعل فشل بضاعتهم السياسية وحلفائهم من أحزاب ومنظمات خير دليل على ذلك.

ولئن جاء الحصار ليؤكد صواب موقف التونسيين، فإنه قد فضح أيضا نهجا قوامه التعجرف والأنانية، نهج لم يفهم أصحابه بأن محمد البوعزيزي حينما أضرم نيران الغضب في جسده النحيل، ألهب مشاعر كرامة وعزة لم يعرف “قراصنة الخليج” لها طعما وخيل إليهم أنهم بأموالهم قادرون على شراء ذمم أناس أبوا إلا أن يبرهنوا بأن السيادة الوطنية ومبادئ الكرم والعرفان لا تقدر بثمن.

وكما المتجبرين حين تفشل مساعيهم، انبرت الإمارات العربية المتحدة ومناصروها يتخبطون، فتراهم تارة يمنعون التونسيين من الذكور من ولوج أراضيهم ويحرمونهم تارة أخرى التونسيات من حقهن في التنقل عبر خطوطهم الجوية، وكان كلما زاد بطش الظالمين حدة إلا وتمسك الثائرون على نظام بن علي بمواقفهم ليرسموا لوحات آخرها كانت بعنوان “كرهناكم يا حكام تحاصرون قطر وإسرائيل في سلام”.

ولما أيقن من وصفوا “حركة حماس” بالإرهابية وصيروا المقاومين مجرمين وفرقوا بين الابن وأبيه وصاحبته وبنيه، خيبة مساعيهم، قالوا على لسان زبانيتهم إن التونسيين ضالون.

ولما نظروا فأبصروا الجموع وقد انفضت من حولهم قالوا جاهلين. ألا إنهم هم الجاهلون ولكن لا يعلمون!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها