“ولا يوم من أيام مبارك !! “

هل يمكن للشرطة والنيابة والقضاء والقوات المسلحة أن ترضى بكل هذا الفجر والظلم وانتهاك القانون والحريات والحقوق بل وتصبح جزءا منه، من دون أن تكون تأسست وترعرت على الفساد والظلم؟

قبل قرابة السبعة أعوام، لم يصحبني خيالي في أسوأ شطحاته إلى تخيل هذا السيناريو أبدا، حين كانت أيام ثورتنا، تلك الأيام التي خطونا فيها خطواتنا الأولى حالمين بالحرية والكرامة في وطننا.  نعم كان هناك العديد من السيناريوهات المحتملة، لكنها حقا لم تكن تصل إطلاقا إلى أن أجد كثيرا من أبناء الوطن – ومن بينهم هؤلاء الذين بادروا بالثورة – هامسين بحسرة مع كل مناسبة ( ولا يوم من أيام مبارك)!

هل حقا وصل بنا الحال إلى هذا البؤس؟

لا يستطيع أحد أن ينكر ما آلت إليه مصر منذ انقلاب الثالث من يوليو/تموز، أصبحت مصر غابة موحشة من الفساد والظلم، أصبح عليك قبل أن تخطو أية خطوة، أن تتحسس طريقك جيدا لكي لا تغوص قدميك في بركة من دماء، أو بحر من بؤس وشقاء.

لكننا وفي الحقيقة اتضح لنا جليا أننا جميعا أصحاب ذاكرة قصيرة الأمد، قصيرة حتى إن كثيرا من رفاق الثورة والذين سالت دماهم ودماء إخوانهم قاموا بحمل مرتكبي تلك الجرائم على أعناقهم قبل حتى أن تجف دماء الضحايا.

وامتد تأثير تلك الذاكرة القصيرة إلى أبعد من ذلك،  تقول ابنة أحد المعتقلين المغدورين في سجون العسكر: (مر أكثر من عام ونحن ممنوعون من أية زيارة، لقد كانت زياراتنا أيام مبارك منتظمة أسبوعيا وكانت تتخطى الساعة أحيانا، نستطيع أن نجلس ونتسامر ونطمئن على أحوال بعضنا البعض، أما الآن فنعيش على التكهنات أو الظهور العابر في جلسات المحاكمات، وتلك أصبحت الوسيلة الوحيدة لنعرف إن كان سجيننا مازال على قيد الحياة).

حقا لا أملك أن ألوم صاحبة هذه الكلمات، فمن يستطع أن يتحمل كل هذا الظلم والقسوة؟ لا أستطيع أن ألومها لأنها أسيرة الوجع والألم الآني الذي لا يفارقها، ومثلها المئات بل والآلاف.

لكنني أتساءل هل كل هذا حقا من نتاج السيسي ونظامه؟ أعني بسؤالي، هل كل ما نراه الآن هو مِن فِعل يد السيسي وأذنابه؟ أم أنه حصاد سنوات مبارك بالأساس، ألم يحكم مبارك هذه البلد فترة تزيد عن حكم عبدالناصر والسادات مجتمعَين؟
هل يمكن لمنظومة الشرطة والنيابة والقضاء والقوات المسلحة أن ترضى بكل هذا الفجر والظلم وانتهاك القانون والحريات والحقوق بل وتصبح جزءا منه،  من دون أن تكون تأسست وترعرت على الفساد والظلم وتجاوز القانون في العهود السابقة؟

ظلت منظومة حكم مبارك عقودا تغير وتشوه في عقيدة القوات المسلحة، حتى أضحى سهلا أن تطلب منهم أن يطلقوا النار على العزل من أبناء وطنهم، هذا الأمر الذي يصنف في شرع العسكرية عارا يخشى أي عسكري أن يلحق به.

أو تلك الشرطة التي كانت تمتهن كرامة المواطن صباح مساء في الأقسام والسجون، بل كان العديد من المواطنين يموت بين أيديهم من شدة التعذيب وهم يعلمون جيدا أن لا عقاب ولا حساب. وكانت مؤسسة الشرطة تتحالف مع الفسدة وتجار المخدرات والسلاح من أجل أن يقوموا بالدور الأمني نيابة عنهم في بعض المناطق والأحياء.

لو أردنا التذكير بمفاسد ما زرعه مبارك ونظامه في مؤسسات الدولة لكتبنا مقالا تلو المقال وما اكتفينا.

الفارق الوحيد بين مبارك والسيسي، أن الأول لم يكن في عجلة من أمره، ولم يكن يخشى أن يداهمه الوقت، والأكثر أهمية أنه لم يواجه معضلة الشرعية والاعتراف الدولي، كان الأمر مستتبا له في غالب فترات حكمه، كما أنه اكتسب الحكمة في الإجرام والفساد في سنين نيابته للسادات.

لكن صدقني،  إن كان مبارك في نفس موقف وظروف السيسي، لوجدناه أشد إجراما وأكثر تنكيلا وتبجحا، لا فارق بين الحكم العسكري والآخر إلا الظروف المحيطة به، فحكام العسكر جميعا يقرأون من الكتاب نفسه، ويتشابه إجرامهم وفسادهم في كل مكان.

ما نراه من إجرام نظام السيسي يجب أن يجعلنا نلعن مبارك وسابقيه ألف مرة، لا أن نترحم على أيام إجرامه الحنون، فلولا زرع مبارك العفن لما وجد السيسي في مؤسسات الدولة من يطيعه ويعاونه في إجرامه الغشيم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها