وفاء زيدان تكتب: باكستان، حسناء في ثياب رثّة

هذه هي قصة باكستان، البلد الذي ينبض جمالاً طبيعياً لكنها تظهر للعالم بثياب رثة وهندام أشعث يخفي حسنها المدفون. يتبع

تنجح الحرب دائما بخطف أضواء الإعلام فتنزع النور عمن سواها لتقلص جمال بلاد بأكملها في مشهد دمار وأشلاء.

وهذه هي قصة باكستان، البلد الذي ينبض جمالاً طبيعياً لكنها تظهر للعالم بثياب رثة وهندام أشعث يخفي حسنها المدفون.

ففي باكستان حرب طحنتها لسنين حتى خُيل إلينا أن في كل بقعة منها أصوات قصف ودمار ولا توجد فيها إلا ألوان جافة ووجوه عابسة ومخيمات متهالكة لكن ما ننساه دائما هو أن المطامع تنمو في الأماكن الأكثر جمالا وحياة.

عشت فيها لـ 23 عاماً فاندمجت بها واندمجت بي فهي أرض تنضح سحرا بديعاً يصعب على العاشق أن يصفه ويتغزل به في مقال أو في كتاب،  لكن لعلي استطيع أن أكون “بنت بطوطة” في هذه السطور حتى أعكس بعضاً من جمالها لمخيلة القارئ العربي ومن إسلام أباد أبدأ.

فلقد جمع الخالق في هذه العاصمة تضاريس عدة فهي لا تتميز فقط بجبالها المكسوة بثوب أخضر وسمائها الصافية أو بأنهارها الجارية ولا حتى بحدائقها الغناء فقط بل هي تجمع كل ذلك وأكثر فلا عجب أن تصنف العاصمة الثاني أكثر جمالا في العالم لعام 2015 بعد لندن حسب موقع “توب تن فايندينغز”.

 لم يكن هناك أجمل من منظر سلسلة جبال “مرغلا” صباحاً والتي تمتد على طول الطريق السريع المحاذي لها والذي سمي على اسمها فتتحول رحلة السائق عبره إلى نزهة في أرض فرشت باللون الأخضر اليانع وتعلو تلك الجبال سماء زرقاء صافية تشبه في صفائها وجنتا طفلة فاتنة يكفي أن تنظر إليها حتى يتسلل الهدوء إلى نفسك ويريحك من عناء الحياة الصعبة.

 أما إذا صعدنا تلك الجبال فسنقطع طريقاً  يلتف حلزونيا حول الجبل وتحاطه أشجار كثيفة متعانقة ذات اليمين والشمال وبعد مسافة معينة تصل إلى أرض منبسطة يقصدها الناس لنزهة شواء مع الأهل والأصدقاء أو لارتياد مطعم اتخذ من المنظر البديع الذي تطل عليه تلك الجبال بقعة لتجارته وأشهر تلك المطاعم مطعم “مونال” ذو الإطلالة الساحرة والطعام الشهي والأسعار المنخفضة فهو محطة الفقير والغني والجامع بينهما هو غرامهما بالطبيعة الفاتنة.

وما أجملها من إطلالة عند الغروب والشمس تسحب أشعتها برفق من على الجبل مفسحةً الطريق للظلام الداكن أن يتمدد لتتخلله شيئا فشيئا أضواء المدينة من مبانيها المتناثرة وعروس تلك المباني مسجد فيصل الأبيض البهي الذي بناه الملك فيصل بن آل سعود عام 1986، هناك على قمة الجبل لا متاعب، لا ضوضاء، بل استرخاء وسكينة.

وفي إسلام أباد حدائق كثيرة ففي الحي الواحد توجد عدة حدائق، زاد على جمال الطبيعة فيها فن الباكستانيين بتنسيقها كل بطريقة مميزة، وتزرع هناك شتى أنواع الأشجار والنباتات وخصوصا ذات الروائح الزكية، ودعوني أحدثكم عن أجمل تلك الحدائق وأبهاها حلة، إنها حديقة فاطمة جناح والتي سميت على اسم أخت مؤسس البلاد محمد علي جناح وهي أحد أضخم الحدائق في جنوب شرق آسيا لتجسد بذلك هوس الباكستانيين في بناء الحدائق والمساحات الخضراء.

وقد اعتنت الحكومة بها اعتناء مذهلا حتى يخيل إليك أنها قطعة من الجنة، هناك يذهب الناس لممارسة الرياضة فطريق المشاة يقطع مساحات الحديقة فتمر بهضاب وأودية وتصادف ملاعبا للأطفال كلها زينت لتمتع من يمارس رياضته فيها وكثيرا ما يقصدها الأهل والأصدقاء لقضاء يوم في الفضاء الأخضر ليطلقوا لأطفالهم العنان ولأنفسهم أيضا الحرية ليخرجوا الطفل الذي بداخلهم فينزعوا أحذيتهم ويمشوا على العشب الندي أو يلعبوا مع مجموعتهم ألعابا تعيد للنفس الحياة.

قد أكون بخست حق باكستان باختصارها في مناطق معينه فلا تزال هناك مناطق أخرى يحار الفكر في اختيار الأجمل منها لزيارته، لكن هذه السطور هي نافذة لك أيها القارئ العربي لتزورها وتكتشفها بنفسك

أما إن ابتعدنا قليلاً عن إسلام أباد باتجاه مدينة راولبندي فسنجد في منتصف الطريق بحيرة راول التي تغازلها أشعة الشمس الذهبية كل يوم فتخجل مياهها متلألأة بحياء لامع يسر الناظرين، هناك يأتي الناس لركوب القارب والتمتع بنزهة فيه أو لممارسة التجديف مع الأصدقاء، ويعج المطان بالباعة المتجولين فمنهم باعة البوظة اللذيذة والذرة الشهية المدفونة بالرمل وغير ذلك من أطعمة لا تكفي زيارة واحدة لتجربتها كلها.

أما إذا ابتعدنا أكثر وزرنا مناطق ك “شادره” فستنفصل عن الدنيا تماما لأنك ستجد نفسك في قاع واد سحيق تلفه جبال صخرية شاهقة وفي الوادي يجري نهر زمردي بارد تسبح فيه الأسماك الصغيرة وهناك نصب البعض مطاعمهم, نعم مطاعم في قلب ذلك النهر الجاري وكراس وطاولات في الهواء الطلق حيث تقدم هناك البطاطا المقلية الباكستانية الشهيرة المغطاة بمسحوق الحمص الباكستاني مع كأس من الشاي الساخن، ترفع رأسك إلى السماء فترى رؤوس الجبال والسماء الصافية كصفاء قلب مؤمن وطيور المكان تحلق وترقص في الهواء البديع فلا يسعك إلا أن تسبح الله على كل ذلك الحسن.

لقد انعكس جمال باكستان على طبيعة الشعب، فربما نستطيع ربط جمالها وهدوئها بنفسية الشعب ومزاجهم فالباكستانيون معروفون بهدوؤهم الذي يشكو منه العرب أحيانا فهم على عكسهم ذو دم حار، أما عن وجوه الباكستانيين فهي غالبا متبسمة، وراضية وهواية الكثير منهم الاستلقاء على الرصيف أو على أرض الحدائق المفروشة بثوب أخضر لتأمل الطبيعة بهدوء.

قد أكون بخست حق باكستان باختصارها في مناطق معينه فلا تزال هناك مناطق أخرى يحار الفكر في اختيار الأجمل منها لزيارته، لكن هذه السطور هي نافذة لك أيها القارئ العربي لتزورها وتكتشفها بنفسك وتقع بحبها فهي تملك مفتاح القلوب، البساطة والجمال حتى وإن أرادت الشاشات أن تخفي ذلك وراء ثياب بالية.

وفاء زيدان
صحفية ومدونة سورية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها