وفاء زيدان تكتب: الممر الصيني الباكستاني .. ماذا يخبئ للعرب؟

الكثير من الباكستانيين لا يعرفون عن الدول العربية أكثر من قضية إسرائيل والحرمين الشريفين والنفط، وطوال سنواتي التي قضيتها في جامعتي. يتبع

زيارة الرئيس الصيني شهدت توقيع مشروع الممر الباكستاني-الصيني (الأوروبية)

 أدرك أجدادنا مبكراً أهمية وحيوية طريق الحرير الذي وصل في حينه شرق الكرة الأرضية بغربها,  فأحيا التجارة والاقتصاد، وتحولت أساطيره و قصصه إلى مسلسلات، تحكي قصص البضائع الآسيوية والصينية المنهمرة على سوق العرب عامة والشام خاصة.

اليوم قررت الصين، الدولة التي تصدرت العالم كأكبر دولة اقتصادية لهذا العام أن تربط قارة آسيا ببعضها وتصلها مع الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال إعادة إحياء هذا الطريق فتتأبط المناطق تلك تحت إبط نفوذها لتعيد مجدها التاريخي والاقتصادي، وهي التي تنافس العالم كله اقتصادياً في الأساس، مستفيدة من تمهيد المدفعية والهندسة العسكرية الأمريكية في حروبها بالعالم والتي كان آخرها أفغانستان.

تبدأ رحلة الصين من جارتها باكستان، صديقتها منذ الاستقلال وحليفتها ضد عدوهما الهند والأهم من ذلك كله أنها ساعدت باكستان في بناء المفاعلات النووية لتتكون بذلك علاقة استراتيجية وصفها السياسيون بأنها أعلى من جبال الهملايا و أحلى من العسل و أعمق من المحيطات وزادوا على هذه الكلمات المعسولة مصطلح “أمتن من الفولاذ” ليعكس الجانب الجديد للعلاقة بين البلدين.

ففي العشرين من أبريل / نيسان  الماضي  زار رئيس الصين شي جين بينغ باكستان جالباً معه 46 بليون دولار ليستثمرها في بناء ما أطلق عليه “الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني” الذي يصل طوله إلى 3000 كم,  يبدأ من “كاشغار” غرب الصين وينتهي في ميناء غوادر جنوب باكستان قاطعا إقليم بختون خوا والبنجاب والسند.

لكن عين الصين في الحقيقة ترنو إلى ما هو أبعد من باكستان فمن خلال هذا الممر تستطيع الصين اختصار مسافة 912.9ميلا عبر مضيق ملاكا الذي تسيطر عليه أمريكا إلى 295.2 ميلا عبر باكستان لتصل إلى بحر العرب , فتختصر الكلفة إلى ثلثها,  فيما يتعلق باحتياجاتها اليومية من النفط , والذي تستورد 80% منه من الشرق الأوسط، أضف إلى ذلك التهديدات الأمنية التي قد تتعرض لها الطرق الطويلة، فضلاً عن القرب الجغرافي بين العالم الإسلامي مع مناطق الصين الإسلامية المهملة والتي تسعى الصين إلى تطويرها خشية من الانفجار الاجتماعي والاقتصادي فيها.

هنا يبرز السؤال ما الذي سيستفيده شرقنا من هذه التغيرات الإقليمية والتي ستتبلور عالميا قريبا لتتغير موازين القوى والتحالفات والسياسة في العالم، مع تراجع النفوذ الأميركي وحتى الروسي في المنطقة وبروز التأثير الصيني فيه.

إن كانت باكستان بوابة الصين للعالم العربي للتخلص من براثن أمريكا في مضيق ملاكا فإنها بلا شك بوابة العالم العربي لأفغانستان ووسط آسيا حيث الغالبية المسلمة تقطن هناك وتشكل الحديقة الخلفية لإيرانِ مما يجعلها هدفاً استراتيجياً لمواجهة ايران التي توغلت في منطقتنا وعاثت فيها فسادا.

الدول العربية مدعوة للتخلص من عقلية السبعينيات في التعامل مع باكستان التي لم تعد ساحة للتمويل المادي والاستثمار في الخطاب الديني فحسب، بل العرب اليوم أنفسهم مدعوون إلى الاستثمار في الاقتصاد وفي الدفاع وأهم من ذلك عليهم تعزيز التبادل الثقافي والإنساني والتجاري مع هذا الحليف المنسي لبناء علاقه وطيدة معه لا علاقة قشور تتساقط في أول خريف جاف، وذلك من أجل تطويق ومحاصرة إيران التي تتصاعد خطورتها وتهديداتها هذه الأيام في العراق والشام واليمن.

الكثير من الباكستانيين لا يعرفون عن الدول العربية أكثر من قضية إسرائيل والحرمين الشريفين والنفط، وطوال سنواتي التي قضيتها في جامعة البحرية لم ألتق بأستاذ أو طالب واحد يعي على الأقل البديهيات عن واقعنا وفي أحد المرات استضافت جامعتي مختصاً بشؤون الشرق الأوسط من جامعة قائد أعظم العريقة ليحاضر عن التغيرات السياسية هناك فتبين لي أنه في الواقع مختص بإيران ودرس هناك لعامين وينتمي للطائفة الشيعية والأكثر من ذلك أنه تكلم عن الشرق الأوسط بصورة عامة لا تنتمي للاختصاص بصلة، فهذه هي النماذج التي تقدم صورتنا أمام الطالب الباكستاني فلا عجب أن يكون الولاء والإعجاب بإيران في أوجه اليوم، هذا في الساحة الأكاديمية، والواقع الأليم ليس بأقله في الساحات الأخرى.

اليوم تبدو الساحة مفتوحة أمام العالم العربي، لكن هذا الدخول ينبغي أن يكون ممنهجاً ومتواصلاً وليس على طريقة يا غلام أعطه ألف دينار وإنما لا بد أن يكون شاملاً في كل المجالات وتعزيز وربط علاقات باكستان عملياً مع الساحة العربية، وإلا فإن الصين صاحبة ذلك المشروع الاقتصادي الضخم والمعني به العالم العربي أيضاً سيتم دفعها للتوجه إلى إيران أيضاً.

ثم نافذة عربية مهمة وغير مباشرة بالقرب من باكستان ومعني بها الصين أيضاً في مشروعها وهي نافذة إقليم بلوشستان وهو المهم اقتصادياً وجيوسياسياً لكل القوى اللاعبة في المنطقة الصين وأميركا وإيران والخليج، لا سيما وأن الروايات التاريخية تقول إن سكانه من البلوش يعودون للأصل العربي وهو ما يتفوق العرب في المعادلة على غيرهم، فقد سبق أن خضعوا تحت حكم السلطنة العمانية في القرن التاسع عشر حتى 1953 قبل أن تضمه باكستان إلى دولتها.

إن دولة باكستان التي صمت أذنها عن معاناة فقر إقليم بلوشستان  وقرار الصين بتحويل مسرى الممر عن بلوشستان إلى البنجاب و السند أجج ألم البلوش بالتهميش والإحساس بالاستغلال خصوصاً وأن ميناء غوادر يقع على أرضهم ومع هذا لن يحصدوا ثمار هذا المشروع الضخم،  لذا يأتي دور العرب الذين يستطيعون به ضرب عصافير عدة  بحجر واحد، فالاستثمار في بلوشستان يعني تطويق جنوب إيران في أرض معادية لها أصلا، كما سيعزز ذلك نفوذ الدول العربية في باكستان وسيحسن صورتها أمام المجتمع الباكستاني، أضف إلى ذلك الولاء البلوشي الذي يتمتع به العرب في إقليم ثري بالموارد الطبيعية لكن يحتاج لمحرك يضخ الحياة في شرايين الإقليم خاصة وأن العرب ليسوا بحاجة إلى هذه الموارد كالغاز فلديهم ما يكفيهم ولن ينظر إليهم على أنهم قوى مستغلة ومتربصة بثروات بلوشستان كما قد يُنظر للآخرين.

سيفتح الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني أبواب العرب إلى باكستان المنسية وسيعزز الصداقات إن استثمرناه بذكاء وعلينا أن لا نضيع فرصة ذهبية كهذه، في تقوية النفوذ العربي في الحليفة الاستراتيجية باكستان,  ومحاصرة عدو إيراني يتهددنا صباح مساء.

وفاء زيدان
صحفية سورية مقيمة بباكستان

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها