وفاء زيدان تكتب: المطبخ الباكستاني .. دليلها الى قلبك

كلنا يعلم أن الطريق إلى قلب الرجل هو معدته فلا شيء ينفع عندما تكون المعدة خاوية، ولتقع في حب بلدٍ ما وتقرر أن تعود لزيارتها ثانيةً عليك أن تتذوق أطباقاً من مطبخها. يتبع

قد لا يكفي الجمال والحسن لأسر قلب أحدهم فكلنا يعلم أن الطريق إلى قلب الرجل هو معدته فلا شيء ينفع عندما تكون المعدة خاوية، ولتقع في حب بلدٍ ما وتقرر أن تعود لزيارتها ثانيةً عليك أن تتذوق أطباقاً من مطبخها وهنا سنرى ما إذا سيصيبك سهم “كيوبيد” أم أنه سيخطؤك.

لباكستان سحر فاتن في أطباقها التي تتميز بالدسامة والألوان والتوابل التي تطفي رائحة شهية عليها ولنفتتح حفل الموائد الباكستاني علينا أن نبدأ بالطبق الرئيس وهو البرياني فتدرج جملة ساخرة بين الباكستانيين عنه تقول “من المستحيل أن تسعد كل الناس، فأنت لست صحن برياني”.

إلى هذه الدرجة يعشق الباكستانيون هذا الطبق المشهور والمكون من أرز مطهوٍ بكمية كبيرة من التوابل الخاصة واللبن مع قطع الدجاج والبطاطا المدفونة في جوفه وهو بالغالب يطهى يوم الجمعة أي في يوم عيد المسلمين فتلتم العائلة حول المائدة على هذا الطبق التقليدي اللذيذ في هذا اليوم المبارك لتعم الأجواء الدافئة والعائلية المنزل فهو بلا شك “منسف” الباكستانيين و “محشيهم” و “مسخنهم”!.

أما “التشكن كراي” فهو الطبق الثاني أكثر شهرة في البلاد وهو عبارة عن قطع دجاج مقلية بالبندروة والزنجبيل والبصل والفلفل الحد والكزبرة الخضراء والتوابل ويؤكل “بالغمس” مع الخبز الباكستاني”روتي” أو “نان” والذي يقدم ساخناً وقد انتفخت على وجهه فقاعات محمرة لتعلن نضجها للخباز.

ويقدم أيضاً معه صحن “رايتا” أي اللبن الباكستاني وأحيانا يضاف إليه بعض الكمون، ولا تتعجب عزيزي الزائر من كمية الزيت التي تلمع على جوانب الصحن وعلى يديك فهنا تكمن بداعة هذا الطبق الدسم، وهناك أنواع أخرى من الكراي الذي تستخدم فيه نفس التوابل لكن الفرق في اللحم فهناك الـ “كباب كراي” الذي يطهى مع الكباب المشوي و “متن كراي” مع قطع اللحم.  

يأتي بعد ذلك الـ”تشيكن هاندي” وهو عبارة عن طبق دجاج مطهو مع الصلصة البيضاء المكونة من اللبن والقشدة، وأروع ما في التشيكن هاندي والكراي هو طبق الفخار ذو العنق الضيق الذي يقدم به ليحفظ حرارته وطعمه.

لا تقلق عزيزي القارئ إن سال لعابك لتلك الاطباق ففي باكستان لن تفر من المشي في الأزقة والحدائق بكثرة لأن الحياة هناك حياة مشي وترحال فأطلق العنان لعصافير بطنك أن تزقزق وتحلق كما تشاء

لكن ماذا عن الفطور الباكستاني؟ من المعروف أن الباكستانيين يهتمون بوجبة الفطور والعشاء بالتحديد على عكس العرب اللذين يقدسون وجبة الغذاء، فعلى الافطار يأكل الباكستانيون الخبز الشهير الـ”براتا” وهو عبارة عن طبقات من العجين يتخللها طبقات من الزيت بعدها تصنع منه دوائر متوسطة الحجم وتقلى في الزيت.

وقبل أن أكمل عزيزي القارئ أنصحك أن تبعد حميتك عن ذهنك وأنت تتم هذه السطور حتى تتجنب ألما شديدا، فهذه البراتا تقدم مع البيض المقلي أو الـ “أومليت الباكستاني” مع الخضار أو تحشى البراتا بالبطاطا والكزبرة أو بالجبنة الدسمة ولا تؤكل إلا ساخنة مع كوب من الشاي الباكستاني الحار، وكن واثقا أنك بحاجة إلى علبة مناديل بجانبك حتى تمسح الزيت من يدك وفمك أولاً بأول.

أما “الحلوى بوري” فهي طبق حلو شهي على الافطار والمكون من خبز “بوري” الذي يقلى في زيت عميق مع حلوى “السوجي” أو السميد التي تشبه “المامونية” السورية ويقدم معها أيضا صحن “تشانا سالن” أي يخنة الحمص لتوازن الطعم الحلو مع المالح، وهناك أيضاً ال “بكورا” الباكستانية الشهيرة وهي عبارة عن بطاطا مقلية مقطعة ومغمسة في مسحوق الحمص ومضاف لها البهارات الخاصة، وهناك أيضا أنواع من البكورا التي يضاف لها أنواع أخرى من الخضار كالباذنجان والبصل وغير ذلك لتكون الطبق الافتتاحي في افطار رمضان على الموائد الباكستانية.

أما ال”حليم” فهو طبق له رنين خاص يغازل أوتار قلب الشعب الباكستاني من شدة حبهم له وهو يشبه حساء العدس العربي لكنه يكون أثقل عند الباكستانيين ويؤكل مع الخبز بعد عصر الليمون عليه ورش الزنجبيل والكزبرة والفلفل الحد المقطع على وجهه.  

وعلي أن لا أنسى هنا الوجبات الخفيفة الباكستانية ونبتدئها بال “جول جبّيه” المكونة من كرات مقرمشة ومفرغة من الداخل يصب فيها اللبن وقطع الحمص والبصل والبهارات وصلصة حلوة، ولهذا الطبق طقوس تقليدية خاصة عند أكله فرغم أن الكرة أكبر من حجم الفم إلا أن عليك أن تلتهمها في لقمة واحدة فتتفجر الكرة داخل فمك لتسيل الصلصة الحلوة واللبن وتذوب قطع الحمص على لسانك مرة واحدة.

ومن ال ” جول جبيه” إلى ال “شامي كباب” الذي يتكون من أقراص من اللحم المهروس مع البطاطا والبصل والعدس والبهارات الخاصة ويقدم كوجبة مقبلات أو أكلة خفيفة عند المساء، ويعتقد البعض أن اسم هذا الطبق المميز يعود للتاريخ حين هاجر عدد من الطباخين من بلاد الشام إلى البلاط المغولي وقدموا هذا الطبق وآخرون يعطون تفسيرا حرفياً لاسمه حيث أن  “شام” بالاوردية لا تعني فقط بلاد الشام بل المساء أيضا فتترجم الكلمة إلى “كباب المساء”.

ولدينا أيضا السمبوسك المحشوة تارة بالبطاطا وتارة باللحم وتغمس بصلصة الشتني المصنوعة من اللبن والنعنع لتكون طبقا منعشا ودسما لمن يستعد ليوم طويل أو لتناولها في العصر مع العائلة مع كوب من الشاي.

قد لا يكفي الجمال والحسن لأسر قلب أحدهم فكلنا يعلم أن الطريق إلى قلب الرجل هو معدته فلا شيء ينفع عندما تكون المعدة خاوية، ولتقع في حب بلدٍ ما وتقرر أن تعود لزيارتها ثانيةً عليك أن تتذوق أطباقاً من مطبخها

وأجمل ما في هذه الوجبات الخفيفة هي طقوس بيعها فهي تتواجد في مطاعم مفتوحة على الشارع وتصفد على شكل هرمي على صينية كبيرة تنصب على مصطبة أمام المارة لتشد الرائح والغادي اليها.  

ومن الأطباق “المليحة” إلى الأطباق “الحلوة” ننتقل فأنواع التحلية كثيرة وأشهرها ما يسمى ب “الجولاب جامن” وهو طبق حلو يقدم في المناسبات الخاصة ويعني حلوى ماء الورد وهو مكون من كرات السميد المطهوة مع ماء الورد والمغموسة بالشيرا أو “القطر”، يتلوه بعد ذلك حلوى ال”جليبي” الباكستانية والتي تشبه ال “المشبك” العربي.

ولقد أذابت هذه الحلوى قلوب الباكستانيين وشعب جنوب آسيا عموما حتى صاروا يشبهون به محبوباتهم في أغاني الحب والغزل.

وبما أن باكستان بلد مترامية الأطراف ولها 4 أقاليم فهذا يعني أن المطبخ الباكستاني غني بمأكولات متنوعة والحقيقة أيضا أن في كل مدينة داخل هذه الاقاليم تشتهر بأطباق معينة فمثلا في لاهو يشتهر طبق ال “نهاري” وهو مصنوع من قطع لحم مطبوخة في يخنة حمراء وتقدم مع الليمون والكزبرة والزنجبيل والخبز الساخن كطبق افطار دسم.

أما في إقليم بختونخوا فيشتهر طبق الشابلي كباب والدم بخت، وعند المتحدثين باللغة الأوردية الأصلية يشتهر طبق القورمة والبلاو وفي السند يشتهر ال برياني السندي الحامض.

ولا يخلو المطبخ الباكستاني من المشروبات المميزة وأولها ال “لسي” الباكستاني هو ما يطلق عليه العرب “شنينة” لكن الباكستانيين صنعوا منه أنواع كثيرة فمنه الحلو ومنه المالح وأحيانا يضيفون له نكهات فاكهة مختلفة فهو مشروب رائع لمحاربة الحر في صيف باكستان.  

أما مشروب رمضان فهو “روح افزا” الوردي اللذيذ والذي يقدم في وجبة الافطار مع التمر،  وهناك أيضا مشروب الليمون الذي تجده عند الباعة المتجولون في الشوارع وهو محبب جدا عند الباكستانيين.

لكن لا تقلق عزيزي القارئ إن سال لعابك لتلك الاطباق ففي باكستان لن تفر من المشي في الأزقة والحدائق بكثرة لأن الحياة هناك حياة مشي وترحال فأطلق العنان لعصافير بطنك أن تزقزق وتحلق كما تشاء وتأكد أن في جعبة المطبخ الباكستاني الكثير الكثير مما سييسر طريقها لأن تدخل قلبك وتستقر فيه دون إذن.

وفاء زيدان
صحفية ومدونة سورية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها