وفاء زيدان تكتب: إيلان … يكشف التوغل الإيراني بباكستان

كان التفاعل مذهلا والأول من نوعه في باكستان منذ اندلاع الثورة في سوريا لكنه كشف عن أمر شديد الخطورة يختمر بصمت ونحن بتجاهل ندير له ظهورنا. يتبع

كنت في أحد المقاهي في إسلام آباد احتسي قهوتي مع أختي عندما كسر صمت المكان حديثٌ دار بين زبونين يجلسان بجوارنا عن مدى تأثرهما بصورة الطفل السوري الغريق عيلان كردي، على يميني علقت صحف ذلك اليوم وقصة الطفل الغريق تصدرت الصفحات الأولى.

بدا الشارع الباكستاني متأثرا بالحادثة بشكل غير مسبوق فغصت صفحات وحسابات الفيسبوك الباكستانية بقصته وعبارات التضامن معه والتأسف على حاله وغرد ناشطو تويتر في باكستان لثلاثة أيام على وسميّ #بشار_قاتل_الأطفال و #SyrianChild اللذين تصدرا قائمة الأكثر تغريدا طوال ساعات.

كان التفاعل مذهلا والأول من نوعه في باكستان منذ اندلاع الثورة في سوريا لكنه كشف عن أمر شديد الخطورة يختمر بصمت ونحن بتجاهل ندير له ظهورنا.


ففي خضم سيل التفاعل الرقمي مع الحادثة تحول الخطاب فجأة وانقلب إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الحكام العرب فسرعان ما صعد وسم ShameOnArabRulers إلى قمة الأكثر تغريدا وانهالت الشتائم والاتهامات على الدول العربية و الخليجية بالتحديد على أنها السبب الرئيسي في معاناة الشعب السوري لأنها على حد قولهم “صدّرت الإرهاب من داعش وغيره ومولّته ثم اقفلت أبوابها أمام شعب هائم على وجهه” فبدا وكأن سبب الموت الرئيسي في سوريا هم العرب أنفسهم وأن وقف “الإرهاب الوهابي” على حد وصف البعض هو الحل لإنهاء الأزمة السورية التي تحولت بقدرة قادر عندهم إلى أزمة بينما هي ثورة شعب يطالب بحرية مسلوبة على مدى عقود، وغدا إرهاب بشار الكيماوي وبراميله المتفجرة  أمرا ثانويا وذو تأثير ضئيل في الساحة السورية.

كانت نبرة الاتهامات غليظة مليئة بالحقد والكراهية وكأن هؤلاء تحينوا فرصة لطالما انتظروها ليخرجوا أسوء ما في صدورهم من غل على دول الخليج والسعودية بالتحديد عاكسين بذلك التوغل والاختراق الإيراني الرهيب في البلاد وقوة خطابه التي تمددت وتجذرت بين شريحة باكستانية طائفية لديها السطوة الإعلامية اليوم في غياب من يقود قاطرة قوية توقف هذا الطوفان الطائفي الخطير على حاضر ومستقبل باكستان وليس على الثورة السورية أو الدول الخليجية.

لا يجرؤ الكثير على الاعتراف باحتلال إيران لسوريا وبإجرام فيلق القدس فيها ودعمها بشار بالمال والسلاح لخمسة سنوات، فضلاً أن يتحدث عن وجود مئات الباكستانيين الشيعة للقتال في صفوف أسد وبدعم أحزاب سياسية معروفة طويت ملفاتها بسرعة البرق بعد أن سعى البعض إلى نبشها،  ومن يجرؤ يتهم بالطائفية والتملق للسعودية ودول الخليج فالخطاب الإيراني يجذب الشباب ويقنعهم بأن ما تفعله إيران هو للدفاع عن نفسها وأن أصل الإرهاب هو من الدول العربية المتربصة بإيران وكأنها هي من ترسل ميليشياتها لقتل وذبح ومحاصرة الإيرانيين!

إما عن عاصفة الحزم في اليمن فيعتبرها الطائفيون الشيعة أنها تعد على سيادة اليمن وغزوا له بينما غزو ميليشيات إيران حلال بل وذكاء سياسي.

إن رأس الأفعى هي إيران الداعمة لمجرم القرن بشار الأسد وقطعها هو من يقطع للمجازر ويوقف الحرب واللجوء أما تخاذل العرب فهو من أفسح الطريق لإجرامهم، وتطاولهم وإن طال هذا الصمت فسنجد الصفويين قريبا على أعتاب كل الدول العربية بلا استثناء.

مواقف كهذه عليها أن تجعلنا نقف اليوم ونراجع حساباتنا تجاه باكستان بوابتنا إلى شرق ووسط آسيا فلقد اسقطت صورة الطفل الغريق القناع عن حقائق مدفونة خرجت اليوم إلى العالم وهي أن إيران التي حاولت جهدها السيطرة على مسلمي الهند منذ مئات السنين بدأت تشق طريقها ما لم يتم صدها سريعا.

لقد حارب حكام المسلمين الأوائل في الهند هذه الجهود فلم يقبل حاكم المغول “همايون” أن يعتمر قبعة الصفويين الدالة على التشيع رغم أنه كان لاجئا عندهم خوفا من أن يلزمه ذلك تشيع المسلمين في أرضه حال عودته، ولقد عرف “اورنكزيب” خطورة النهم الصفوي للهيمنة على المسلمين فحاربهم ووقف لهم بالمرصاد كما سطر التاريخ بطولات السلطان العثماني سليم الأول في طرد الصفويين من بلادنا بمعركة جالديران.

على العرب دحض الخطر الفارسي عسكرياً بوقف حرائقه وعبثه بأمننا أولا، ثم ببناء علاقات مع الشعب الباكستاني عن طريق التبادل الثقافي الجامعي والمدرسي والإعلامي لننقل إليهم معاناتنا التي هي معاناتهم ولكن بعد حين، فباكستان لا تزال متأثرة بالثقافة الفارسية نظراً لهيمنة اللغة الفارسية على المشهد الثقافي والسياسي لقرون خلال حكم المغول.

إن كسب باكستان في صف العرب يعني تأريقا لمضجع إيران فباكستان هي ساحتها الخلفية وتشاركها حدودا طولها 800 كم أما إن أمنت إيران هذه الحدود فستستطيع التفرغ أكثر لقتلنا والتمدد في أرضنا.

فهل من مجيب؟؟

وفاء زيدان
صحفية سورية مقيمة بباكستان

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها