وداعا يا سيسي: رصيدك انتهى معنا

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

ماذا تستطيع أمريكا عمله الآن بعد الفشل الذريع لعبد الفتاح السيسي خلال ما يقرب من أربعة أعوام؟

كان هذا هو السؤال المعضلة الذي حاول أعضاء مجلس الشيوخ ومعهم الخبراء الثلاثة في الشؤون المصرية الرد عليه خلال ثلاث ساعات مزدحمة و دسمة بالمناقشات. كان واضحا قرب النهاية أنه ليس في حوزة أمريكا الكثير من الأوراق، وأن مشكلة مصر لن يستطيع حلها إلا المصريون أنفسهم.

وبالرغم من ذلك فالخطوات القليلة أمام إدارة ترمب تشمل تخفيض المعونة، تعليق جزء من المعونة حتي تتحسن أحوال حقوق الإنسان في مصر، والمساءلة عن كل الأموال المدفوعة كمعونة والاحتفاظ بسياسات أوباما من منع تدفق المعونة في صورة نقدية، أو الاقتراض الاستباقي. وأخيرا يجب الإشارة إلى أن الانطباع العام في الجلسة كان يشير إلى أن مصر أصبحت أقل أهمية في المنطقة، ولم تساهم كل هذه المساعدات العسكرية لها بشكل ملحوظ في الأمن الإقليمي على جبهات العراق وسوريا واليمن مثلا.

وهذا ما أستطيع بكل تواضع أن أستخلصه بعد تلبيتي دعوة الحضور لجلسة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في مبني الكونغرس ظهر الثلاثاء. وعندما تُدعي لمقابلة عضو من الكونغرس أو لحضور فعاليات لجنة من لجان مجلس الشيوخ أو النواب فإنك تصاب بالذهول من ضخامة كل مبني من مبانيه ومن الأعداد الغفيرة التي تعمل داخل هذه المدينة النابضة بالحركة والتي تختفي في قلب العاصمة واشنطن وراء كل هذه الواجهات المعمارية الكلاسيكية. وهكذا كان المشهد في مبني ديكرسون والذي يحتوي على آلاف الغرف وعشرات القاعات الضخمة، وبعد مرور سريع من بوابة الأمن وصلنا للقاعة ١٢٤ ذات ألـ٨٠ مقعدا للضيوف إلى جانب منصة مرتفعة لأحد عشر عضوا، ويجلس أمامهم على طاولة واحدة ثلاثة مستشارين وكلهم خبراء متخصصون في الشؤون المصرية.

وكان يجول بخاطري تساؤل مستمر:  كيف نفسر اصطفاف الخبراء الأمريكيين الثلاثة وإجماعهم على فشل السيسي في أكثر من جبهة منذ مجيئه وإنكاره للحقائق وإصراره على بث خطابات معسولة وادعاءات زائفة. وكانت د. ميشيل دن هي أكثرهم دقة وحدّة في النقد اللاذع لسياساته القمعية التي فاقمت البطالة والفقر والاستقطاب، واستمرار البطش بكل معارضيه، وزيادة توغل الجيش في الاقتصاد، وتدهور التعليم العام، وافتقار الشباب إلى أي من المهارات الأساسية التي تسمح لهم بالتنافس عالميا.

قد يتساءل البعض: من كان الشخص الأهم وسط كل من تجمعوا في هذه القاعة. لكن مثل هذا السؤال في أمريكا لا يعتبر سؤالا ذكيا؛ فكل عضو من الأحد عشر سيناتور سيكون له صوت عند صنع القرار، وكل خبير من المستشارين الثلاثة قدم رؤيته المميزة شفويا وكتابيا والكل يعرف أنه يمتلك من الخبرة والمعرفة الأكاديمية والعملية ما يجعله في قمة علماء أمريكا في الشؤون المصرية. وحتى فريق المساعدين الذين لم نسمع صوتهم وظلوا صامتين، فالكل يعرف أنهم مثل خلايا النحل الذين عملوا لشهور طويلة في إعداد التقارير وتنقيح الأسئلة التي طرحها كل من الأحد عشر سيناتورا. و بعد خروجي من القاعة فوجئت بمكالمة هاتفية من الإعلامي محمد ناصر من إسطنبول متسائلا: لماذا اعتبر البعض أن جلسة ٢٥ أبريل ٢٠١٧ كانت جلسة تاريخية؟

وكانت إجابتي واضحة وصريحة ومباشرة أنه لا شك في أن العلاقات الأمريكية المصرية كانت تحتاج لإعادة نظر بعد سقوط مبارك، ثم بعد تولي مرسي، ثم بعد انقلاب ٣ يوليو/تموز ٢٠١٣، ولم يهتم كلا الطرفين باستثمار بعض الوقت في المراجعة حتى وصلنا اليوم إلى عصر ترمب الذي لا يؤمن أساسا بجدوى المساعدات الأمريكية ونادى بأن أمريكا وشعبها أحق بكل دولار من أي مخلوق في العالم.

ونظرا لسوء حظ السيسي، فقد بدأت هذه المناقشات بعد زيارته لواشنطن ومقابلاته مع أعضاء الكونغرس ورجال الإدارة الامريكية الجديدة واكتشاف الجنرالات الأربعة الكبار في إدارة ترمب من وزارة الدفاع، والامن القومي، والأمن الداخلي، والمخابرات المركزية، أن هذا المسمى بالمشير السيسي خالٍ من المعرفة السياسية أو الخبرة العسكرية أو العلوم الاستراتيجية، وأن المهمة الكبرى الآن أن يتعاونوا مع الخارجية والكونغرس وإسرائيل في السيناريو البديل.

وتساءل الكثير من الحاضرين، وخصوصا فريق العاملين في السفارة المصرية والسيدة المسؤولة من شركة العلاقات العامة بواشنطن التي تعاقد معها مسؤول المخابرات العامة المصرية بمبلغ يزيد عن مليوني دولار لتبييض الصورة الذهنية في أمريكا عن نظام السيسي، تساءلوا جميعا كيف فشلنا في هذ الجولة المهمة، وكيف نعالج الأمر الذي أصبح كارثيا؟

وكما كان معروفا كانت هذه الجلسة هي الأخيرة قبل وضع مسودة اقتراح الميزانية وتمريره إلى مجلس الشيوخ بكل أعضائه المائة للموافقة عليه. ومن الممكن بعد ذلك أن تطالب إدارة ترمب في صورة وزارة الخارجية بأن تُجري بعض التعديلات البسيطة، ولو ان هذا احتمال ضعيف ولن يؤثر كثيرا؛ حيث إن كمية الخفض المقترح قد تتراوح بين خُمس ورُبع الرقم الحالي  والذي استمر منذ أوائل الثمانينيات وهو  1.3 مليار دولار للمعونة العسكرية فقط.

والشيء الوحيد الإيجابي الذي أجمعت عليه الآراء أن السيسي قد نجح في التعاون مع إسرائيل في إحكام القبضة على حركة حماس في غزة وعلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر. ومع هذا فقد أبدى الجميع الامتعاض من فشله المستمر في كسر الاٍرهاب في سيناء حتى الآن والادعاء بأنه قضى على آلاف الإرهابيين، وأنه نجح في اعتقال آلاف آخرين, رغم تعارض هذه الأرقام المبالغ فيها مع ما تؤكد عليه المخابرات المركزية الأمريكية وربما مصادر الموساد الإسرائيلي.

والنقطة الإيجابية الأخرى التي تباهي بها رئيس اللجنة السيناتور ليندسي غراهام، والخبير الاستشاري إبليوت  أبرامز، هو أن السيسي يسمح للطائرات الإسرائيلية بالإقلاع من مطارات سيناء كي تساعده في السيطرة على أمن سيناء.

أعتقد أنه بعد هذه التصريحات المذهلة فلن يجد أي مصري كلمات مناسبة كي يقولها. فقد وصلنا لعصر الرويبضة بامتياز, ولم يبق لنا جميعا إلا أن نتذكر أن الرجال أفعال.. أن الرجال أفعال .. أن الرجال أفعال.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها