وداعا رفح

بقي فقط لتبلغ الحبكة العسكرية القذرة ذروتها عملية مضروبة يقتل بها عدد من العسكريين، ثم قرارعنتري من السيسي بالإخلاء الكامل، والتجريف الكامل

المدينة التاريخية والحاضرة الرائعة تضيع اليوم في كلمتين “المرحلة الثالثة”، كلمة يرددها الناس دون معرفة حقيقتها ودون معايشة المأساة التي تسببت فيها، “المرحلة الثالثة”، 5 كيلو مترات عمقا في طول ١٣ كم مع الحدود مع غزة تعني ٧٥ مليون متر مربع،

عشرون ألف فدان من أجود الأراضي الزراعية تنتج أجود أنواع الفاكهة من خوخ وبرتقال وتفاح وزيتون، تعني تاريخا امتد لقرون، ومدينة رفح حاضرة مصرية،  ثم يأتي السيسي ليمحوها من الوجود.

“المرحلة الثالثة” تعني تهجير أكثر من (٢٥ ألف نسمة) (خمسة آلاف أسرة) وتركهم في عَراء وخلاء دون أن يعرفوا إلى أين يذهبون.

ولم يحدد لهم صاحب قرار التهجير الوجهة ولم يوفر لهم بديلا، فصل من التهجير الأسوأ في تاريخ مصر، اجتثاث بشر من أرض ارتبطوا بها عقودا ممتدة بعد أن مارست عليهم دولتهم أقسى درجات التآمر والبطش.

ابتدأ السيسي المؤامرة بتسريبات مدبرة، وتفجيرات مدبرة، ليتخذ القرار الأول بإخلاء ٥٠٠ متر ويتم تفجير البيوت والمساجد، وتجريف الأراضي بانتقام قبيح ثم إخلاء منطقة ثانية بعمق كيلو متر واحد ليخرج عددا من الأسر تجاوز الخمسمائة أسرة بوعود مضى عليها أربعة أعوام دون أن ينجز منها شيئ.

وبعد أن صور بعض كلاب العسكر صورا لأثاث وتقسيم ما أسموه مدينة “رفح الجديدة”، والتي أعلن بعد ذلك إلغاؤها، يضاف اليوم ما يقارب خمسة آلاف أسرة مطلوب منها أن ترحل وتترك أرضها وديارها في تغريبة سيناوية مريرة وقاسية.

وقد اتبع النظام مع الأهالي فيها أسلوب الصدمة، وفرض الأمر الواقع فبعد إخلاء المرحلة الأولى والثانية بقرارات مفاجئة وتنفيذ عنيف دون إعطاء وقت للأهالي حتى لحمل أمتعتهم ترك المرحلة الثالثة بسكانها رهائن للعنف والعنف المضاد، وتركت مساحة لتنظيم الدولة يفعل فيها ما يشاء، فمثلا يترك التنظيم ليأتي إلى وسط رفح ويحاصر بيوت بعض المشايخ وعملاء المخابرات ثم يفجرها وينصرف.

وتأتي سيارة “الفيرنا” المباركة بمعدل أكثر من أسبوعي ليختطف من يختاره ركابها ويذهبوا بعيدا، ثم يسمح لهم بالعودة أيضا إلى وسط الميادين لإلقاء جثته أمام المارة ثم ينصرفوا أو قد يكتفوا بالرؤوس فقط لتزداد مساحة الرعب النفسي.

ولا يأمن ساكن في بيته من دانة مدفع أو دبابة يطلقها عشوائيا ارتكاز أمني ثابت وآخر متحرك أو زخة من طائرات بدون طيار أو حتى بطيار لا يعرف مطلقها لماذا وأين أطلقها؟ ولا يأمن الراكب في سيارته حتى ولو مر من بين الأكمنة فكثيرا ما يقتل ركاب سيارات لا يعرف قاتلهم ولم قتلهم!

ثم وسع النظام دوائر الاشتباه فجعل كل من يحمل بطاقة إقامة من رفح والشيخ زويد موضع اتهام وتحقيق غالبا ما ينتهي بالاختفاء القسري وكثيرا ما تكون تصفيته هي نهاية المطاف.

الأمر الذي حمل الكثير، بل والكثير جدا على تغيير محال الإقامة إلى محافظات أخرى وأعقبها بتغيير أرقام لوحات السيارات حتى يتمكنوا من الحركة في باقي محافظات الجمهورية دون مضايقات وتعطيل وسهلت الدولة جدا في الإجراءات كما سهلت إجراءات نقل الطلاب والموظفين.

وخلال الأربع سنوات الماضية كانت الكهرباء والمياه لا تأتي إلا كالضيف مرة كل ثلاثة أسابيع وفِي الأخير دام انقطاعها لعدة أشهر، وكان الذي يبادر لقصف المحطات والتسبب في قطع الكهرباء غالبا الجيش بشهادة موظفي شركة الكهرباء والأهالي، ثم ضرب الجيش حصارا محكما على المنطقة شرق العريش مع اضافة شرط مهم للعبور إليها وهو أن تكون تحمل بطاقة رقم قومي تثبت أن الاقامة في رفح أو الشيخ زويد وبذلك حرمت الكثير والكثير جدا من العودة الى أراضيهم.

ثم تفتق الذهن العسكري عن أسلوب جديد حصار قرى كاملة، وطلب من الأهالي المغادرة سيرًا على الأقدام دون حمل شيء، وكأنها تحمل رسالة أخرى للقرى المجاورة من استطاع أن يغادر بأمتعته فليغادر فإذا جاء دور قريتك فستغادر دون أن يسمح لك باصطحاب شيء.

وبالصدمة والمفاجأة أيضا تُسرب المخابرات العسكرية أوامر إدارية لموظفي شركة المياه بإخلاء مقراتهم ونقل معداتهم إلى ما بعد خمسة الكيلومترات المحددة منطقة خالية عازلة وبالطبع تم إرسال نفس الخطاب الى الكهرباء والصحة والتعليم والتموين وخلافة، وهكذا يتأكد للجميع أن قرار الإخلاء اتخذ وجاري التنفيذ، بدون أي اعتبار لمنطق يقول أين سيذهب كل هؤلاء؟!

بقي فقط لتبلغ الحبكة العسكرية القذرة ذروتها عملية مضروبة يقتل بها عدد من العسكريين، ثم قرار عنتري من السيسي بالإخلاء الكامل، والتجريف الكامل ولا مانع من اكتشاف عدد من الإنفاق طولها قريب من الخمسة كيلو مترات، ماذا يفعل الناس!؟

إنه البلاء الملاحق لهم أينما ارتحلوا!!، وداعا رفح وداعا سيناء، فأنت اليوم فريسة تحت يد تاجر جشع وشعب يتنافس في أن يثبت الجميع خيانة الجميع، ويثبت الجميع عجز الجميع حتى عجز الكل، وبقي من يتآمر على هذا الوطن ومستقبله ويتاجر بأراضيه ومعاناة مواطنيه.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها