واشنطن علمت مُسبقاً بالهجوم الكيميائيّ

طفل ملقى على الأرض جراء هجوم بالغاز على منطقة خان شيخون في ريف إدلب بسوريا
طفل ملقى على الأرض جراء هجوم بالغاز على منطقة خان شيخون في الرابع من أبريل

في التاسع والعشرين من شهر أغسطس/ آب عام 2013 نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً بعنوان (الميزانية السوداء)، تكشف الصحيفة في تقريرها عن أنظمة (استشعار سريّة) منتشرة على الأراضي السورية.

هذه الأجهزة مُصمّمة لتُطلِقَ إنذاراً مُبكراً في حال أُجري أيّ تغيير على نظام ترسانة الأسلحة السوريّة الكيميائية وغير المشروعة دوليّاً، هذه الأنظمة مُراقبة من قبل مكتب الاستطلاع الوطنيّ الأمريكيّ أحد أذرع الاستخبارات الأمريكيّة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكيّة والذي تتمحوّر مهمّته في تصميم وتفعيل الأقمار الاصطناعيّة للولايات المتحدّة الأمريكيّة لأغراض أمنيّة، ويستطيع مكتب الاستطلاع الوطنيّ استخراج البيانات وتفاصيلها من أنظمة الاستشعار السريّة في سوريا.

أنظمة الاستشعار مُصمّمة بدقّة لتوفّر مراقبة على مدار الساعة لأي تحرّك للرؤوس الحربيّة الكيميائيّة المخزّنة لدى الجيش السوريّ، وقد تمّ تطوير نظام تحذير مُبكّر يُرسل إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة والإسرائيليّة تنبيهاً بمجرد تحميل تلك الرؤوس الحربيّة بغاز(السارين)، الأمر الذي أكّده مسؤولٌ استخباراتيّ أمريكيّ سابق رفيع المستوى في لقائه مع الصحافي الاستقصائيّ  “سيمور هيرش”.

ومن الجدير بالذكر أنّ اشتراك المخابرات الإسرائيليّة في الحصول على شيفرات الدخول على نظام الإنذار المبكر الخاصّ بالنشاطات الكيميائيّة على الأراضي السوريّة هو بالتّنسيق المباشر مع أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة.

فعاليّة أنظمة التحذير المبكر وسرعة التقاط مكتب الاستطلاع الوطنيّ لإشاراتها سبق وأنْ أثبتت نجاعتها، ففي شهر كانون الأول لعام 2012 رصدت أنظمة الاستشعار إشارات لنشاطات داخل مستودع للأسلحة الكيميائيّة للجيش السوريّ لإنتاج غاز السارين، وسرعان ما رفعت واشنطن آنذاك تحذيراً للنظام السوريّ الذي قدّم بدوره توضيحاً حول طبيعة ذلك النشاط المتعلق بغاز السارين كأحد التطبيقات التدريبيّة التي تجريها الجيوش عادّة وليس لشنّ أيّ نوعٍ من الهجمات.

وعندما تعرّضت الغوطة في ريف دمشق لهجوم غاز السارين في الواحد والعشرين من شهر أغسطس/ آب عام 2013 نشرت صحيفة “ديلي ميل” تقريراً بعنوان: ( تقارير استخباراتية تكشف معرفة المسؤولين الأمريكيين بهجوم السارين قبل وقوعه بثلاثة أيام) مشيرة إلى أنظمة الاستشعار، والثلاثة أيام هي مدة صلاحية الرؤوس الحربيّة للإطلاق منذ لحظة تلقيمها بغاز السارين.

ترسانة الأسلحة السوريّة الكيميائيّة التي تبات إسرائيل سالمة في مأمن منها، يشتعلُ ضوءُ إنذارها الأحمر على شاشات أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة مؤذنة بالمجازر وآثر العم سام أن يكتم شهادته لتُسربل الطفولة بالسواد.

لا يهم فهي طفولة عربية في مجتمع دوليّ وضيع، والقضية كلّ القضية كم من الموت نحتاج، السيناريو تلو السيناريو يتكرّر بإخراج شاحب، ففي البارحة فيلم أسلحة الدمار الشامل في العراق واليوم في سوريا الأسلحة الكيميائيّة.

تختلف العناوين بيد أنّ الذبيح واحد وكأنّ الزمن دار دورته الكاملة بين الحياة والموت ونسيَ العرب في خانة الموت، نعم جريمة خان شيخون يغرق فيها النظام السوريّ الوحشيّ بالإدانة من رأسه إلى أخمص قدميه لا مماراة في هذا، لكن بكل تأكيد ليست أمريكا فارسنا الأبيض، لكلّ الأمم غَدُها الذي ينتظرها ونحن دُفن غدنا في البارحة عالقاً بين القبور، مَنْ ذا يستطيع أن يكسر الكاميرا ويتلف الشريط! أعِدْ التصوير.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها