هل يدمر الواتساب علاقاتي؟!

لوغو واتساب

حينما ذهبت نيابة عن والدي لتوزيع كروت الدعوة لعقد زواج شقيقتي، أوصاني الوالد بأن أخبر كل من أسلم له الدعوة قائلا: ” الحاج رجله تعبانه شوية، وإلا كان جاب الدعوة لحضرتك بنفسه”، يقول صديقي.

كان هذا في زمن قوة العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ومن دلائل الحب والتقدير للآخرين، حينما لم تكن هناك ما تسمى بوسائل التواصل الاجتماعي، التي أثبتت كثير من الدراسات الحديثة أنها ألغت التواصل الاجتماعي.

مات شقيق زميلي في العمل، ولم أعلم بوفاته إلا بعد أيام، عاتبت زميلي الذي حضر العزاء، لعدم إبلاغي بالخبر، فقال إنه أرسل رسالة على مجموعة الواتساب.

تزوجت ابنة صديق وأخ حبيب، علمت بعد أيام بزواجها، وأخذت على خاطري إذ كيف لا يدعوني لحفل زواجها وهي في مكانة ابنتي، أرسلت رسالة تهنئة عبر الهاتف، فهاتفني صديقي -والد العروس- يعاتبني على عدم حضوري حفل الزواج، قلت: لو دعيت لأجبت، فقال لقد أرسلت إليك الدعوة عبر الواتس.

تعددت المناسبات التي لا أحضرها بسبب استخدام الواتساب في الدعوة إليها، رغم متانة العلاقة بيني وبين أصحابها، لأنني لم أعد أستخدم تطبيق الواتساب، أو تطبيق الفيس بوك على هاتفي المحمول. ولقراري أسباب عديدة، منها: أني ولكثرة وتشعب علاقاتي، وبسبب وجود ما يقرب من 2500 جهة اتصال على هاتفي الجوال، أفاجأ بضمي لكثير من المجموعات دون استئذان، وتصلني المئات من الرسائل يوميا، مما يرسله البعض إلى جميع أصدقائه بضغطة زر، أو مما راق له من الصور ومقاطع الفيديو والموضوعات التي لا تدخل في دائرة اهتمامي، أو من الحوارات على المجموعات بين الأصدقاء، مما لا يسع الوقت لقراءته أو يعود بشئ من النفع حال قراءته، ما أفقد هذه الوسائل قيمتها وجدواها.

يذكرني هذا بالراعي الذي نادى على أهل القرية لإنقاذ الأغنام من الذئب، وعندما هرعوا لنجدته، ضحك ساخرا وقال لقد كذبت عليكم، وحينما هاجم الذئب قطيع الأغنام فعلا، استغاث بهم فلم يجبه أحد، ولهذا تاهت الرسائل الضرورية وسط ركام من الرسائل التي لا داعي لها، ففقدت هذه الوسيلة أهميتها.

لا أنكر أهمية وسائل الاتصال الحديثة وإيجابياتها حال استخدامها بالطريقة المثلى، إلا أن الواقع الذي أعيشه يثبت لي أن سلبياتها على حياتنا الاجتماعية قد تصل إلى مرحلة التدمير الكامل لهذه العلاقات، إضافة إلى مساهمتها في ظهور سلوكيات ومصطلحات غريبة على تقاليد مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

 تقول أحدث الدراسات أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أقصر الطرق إلى الطلاق والانفصال بين الزوجين، وتشير الإحصائيات إلى أن 20% من حالات الطلاق في أمريكا سببها المباشر هو “فيسبوك”، وفي المرتبة الثانية يأتي تطبيق “واتساب”، وبحسب جمعية المحامين الإيطالية فإن الأخير تسبب في 40% من حالات الطلاق في إيطاليا، وذكر موقع “ديفورس أون لاين” البريطاني أن “فيسبوك” وحده تسبب في ثلث حالات الطلاق في بريطانيا عام 2011.

من الآثار السلبية أيضا تأثر العلاقات الأسرية وتربية الأبناء لغياب الروح والعاطفة بين أفراد الأسرة، وانشغال الآباء والأمهات عن تربية الأبناء بوسائل التواصل،تأثرت صلة الأرحام بالتكاسل عن صلة الأرحام، وتبادل الزيارات مع الأهل والأصدقاء حتى في الأعياد والمناسبات والاقتصار على تبادل الرسائل، أو الاكتفاء بالاتصال الهاتفي للتهنئة في أفضل الأحوال، فغابت اللقاءات الودية التي يظهر فيها كل شخص فرحته وحبه للآخرين وغابت مشاعر الود والتراحم.

تنبه الغرب لخطورة الآثار السلبية لهذه الوسائل ما جعل  كثيرا من المقاهي والمطاعم في أوربا وأمريكا  تكتب بداخلها لافتات تقول للزبائن “لا يوجد لدينا واي فاي تحدثوا إلى بعضكم البعض”.

فهل نعود للتواصل الحقيقي، لا عبر الواقع الافتراضي؟، لتعود إلى علاقاتنا المودة والدفء والحياة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها