هل استوعب العرب الدرس؟

هل سيغير العرب استراتيجيتهم ونظرتهم تجاه أمنهم القومي الجماعي؟

جميعنا نتذكر بالتحديد عام 2003 الغزو الأمريكي للعراق الذي أدى إلى سقوط العراق تحت الاحتلال الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين وحل الجيش العراقي وفي تلك الفترة أصبحت العراق خارج نطاق الأمن القومي العربي وأصبح العراق يبتعد رويدا عن النطاق العربي حيث تم تنصيب نظام حكم طائفي له امتدادات مذهبية وسياسية تابعة لنظام الحكم القائم في إيران.

في تلك الفترة كان هناك غياب تام للدور العربي في رسم معالم العراق بعد سقوط نظام صدام حسين وهذا يرجع لعدم وجود الرؤية الاستراتيجية الجماعية للأمن القومي العربي وعدم الإدراك للمخاطر المستقبلية نتيجة انهيار أحد أركان الأنظمة العربية القومية والذي ثبت فيما بعد أهميته ودوره وتمثيله لخط الدفاع الأول للأمن القومي العربي.

وبعد خروج القوات الأمريكية استمرت حالة الغياب للدور العربي حيث تم تسليم العراق للنظام المحاصصي والطائفي المرتبط بإيران والذي فتح الباب بمصراعيه للمليشيات الشيعية والجماعات المسلحة السنية لتصبح العراق ساحة لهذه العناصر والمليشيات تنهش في جسده وتأكل الأخضر واليابس وتعبث فيه وتنشر الفساد وتقتل وتدمر وبمسميات طائفية ومذهبية.  

وبدلا من أن تقوم الأنظمة العربية بإنقاذ العراق مما يحصل فيه وإخراجه من حاله عدم الاستقرار والفوضى ووضعه في مكانته العربية ذهبت بعض الأنظمة لاستثمار ما يجري في العراق وتسويقه للراي العام العربي بشكل سلبي وخلق حالة من الثقافة في أواسط الشعوب العربية إن حالة العراق هو بسبب سقوط رأس النظام وأن على الشعوب أن تحافظ على أنظمتها حتى لا يحصل لها مثل ما حصل في العراق.

وبدأت تظهر مسميات “العرقنة” كما ظهرت من قبل مسميات “الصوملة” و”الأفغنة” من قبل، وهنا بدأ كل نظام يرتب أوضاعه الداخلية ويرسخ لأركان حكمه داخليا. 

في يناير كانون الثاني من العام 2011 شهدت المنطقة العربية حدثا تاريخيا مهما  سمي بالربيع العربي حيث شهدت كلا من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا احتجاجات وانتفاضات أدت إلى سقوط  هذه الأنظمة و إلى إفراز واقع جديد في المنطقة وكانت تشكل مرحلة هامة من تاريخ الأمة العربية بغض النظر عن إيجابياتها أو سلبياتها.

وهنا برز تحدي آخر للعمل العربي المشترك وللأمن القومي العربي حيث كانت نتائج الربيع العربي وما أفرزته من مكونات سياسية عاملا مهما لبروز حالة من الانقسام وظهر محورين أحدهم شجع هذه الثورات ووقف بجانبها والآخر عمل على إجهاضها وعمل على إفشالها بثورات مضادة.

وتحول المشهد في البلدان التي شهدت الربيع العربي إلى حالة من عدم الاستقرار والفوضى والاقتتال الداخلي بين مكوناته بل وصل الأمر إلى حروب داخلية لم تنته إلى يومنا هذا وكان هذا نتاج عدم وجود أي مؤشر لوجود استراتيجية عربية تقوم على خلق حالة من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي لمواجهة أي أخطار داخلية أو خارجية تهدد الأمن القومي العربي.

ومرة أخرى تحاول الدول العربية التي لم تصلها كرة الثلج والمتمثلة بالربيع العربي استثمار ما نتج من وضع سلبي في دول الربيع العربي وتسويق هذا الوضع السلبي وحالة عدم الاستقرار لصالحها وإظهاره للرأي العام بأن من يريد التغيير فهذه النتيجة انظروا لها في مصر أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو تونس.  

وبدلا من أن يساهموا في مساعدة وإنجاح الواقع الجديد واستيعابه واستثماره بشكل إيجابي وتحويل نتائج الثورات إلى مسار جديد يساهم في وحدة وتقدم المنطقة العربية كانت الاستراتيجية تجاه الربيع العربي  تنطلق من نظرية المؤامرة ومبدأ السيئة تعم، وأصبح الإعلام الرسمي يتحدث عن معادلة التغير = الفوضى والتهجير والحرب الأهلية.

من خلال تلك الاستراتيجية العقيمة التي اتخذتها الدول العربية تجاه الربيع العربي جعلت القوى المحيطة الاقليمية تطمع بالنفوذ والسيطرة في ظل هذا المشهد المنقسم للعرب.

ونتيجة لذلك أصبحت المنطقة العربية ساحة للتمدد والنفوذ لبعض القوى الاقليمية والدولية وأصبح هذا النفوذ يهدد الأمن العربي يهدد مصير الأمة العربية وأصبحت العواصم العربية مثل بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء تحت قبضة النفوذ الإيراني وباعتراف قيادات هامة في النظام الايراني.  

وهنا يبرز تحد جديد للأمن القومي العربي لمواجهة النفوذ والتدخل الإيراني في أكثر من دولة عربية حيث تحولت هذه الدول إلى مناطق صراع مذهبي وطائفي وأفرزت حالة من الاحتقان والمواجهة بين أبناء الوطن الواحد بمسمى مذهبي وطائفي وهذا سيؤدي إلى خطر أكبر وهو التغير الديموغرافي والسكاني في بعض الدول على أساس مذهبي وطائفي والتهجير والتنكيل للعرب السنة في العراق وسوريا.

أيضا يبرز تحد كبير للأمن القومي العربي من خلال ظهور الجماعات المسلحة والتي لا تعترف بمسمى الدولة المدنية والتي تدعي إقامة حكم الخلافة وهي تخلق الفوضى والقتل في المناطق التي تسيطر عليها، لقد شكلت أكبر مبرر للعالم أن يلصق تهمة الإرهاب للإسلام والمسلمين وهم براء منه وجعلت أنظار العالم يوجه أصابع الاتهام للمسلمين كلما حدثت جريمة هنا أوهناك فهل هؤلاء خدموا الإسلام والمسلمين أم فعلوا غير ذلك.

إن مجرد النظر إلى المشهد السياسي العربي ومحاولة تقييم للأمن القومي العربي في هذه اللحظة يعطي شعورا بالإحباط والتشتيت العقلي والذهني من هذا الواقع الملئ بالتناقضات في القرارات الاستراتيجية وغياب الإحساس بالهوية العربية وانعدام مستوى الوعي بالمخاطر الآنية والمستقبلية ومسح الرصيد التاريخي لحضارة هي أعظم حضارة وأمة هي خير أمة.

في ظل هذا المشهد وهذه الفوضى والصراعات الأهلية والانهيار الاقتصادي والتهجير والنزوح وحالة عدم الاستقرار نلاحظ أن هناك فاعل مستفيد من هذا الوضع وهو الحاضر الغائب عن المشهد وهي إسرائيل، نعم هي المستفيد الأول حيث أصبحت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى لا تذكر وانشغل العرب بصراعتهم وانقساماتهم وظل الشعب الفلسطيني يكابد عناء الحياة ويقاوم صلف الاحتلال لوحده.

بعد كل هذه الأحداث والتهديدات نتساءل هل استوعب العرب الدرس وتنبه للأخطار والتهديدات التي تهدد أمنه ووجوده ومقوماته ومصيره؟ هل سيغير العرب استراتيجيتهم ونظرتهم تجاه أمنهم القومي الجماعي؟ وهل سيستفيدوا من الأخطاء والقرارات العقيمة التي اتخذوها في حق بلدانهم وشعوبهم؟

سننظر غدا وإن غدا لناظره قريب.!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها