هزيمة الـ(50)عاما.. أنعى لكم

أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة والكتب القديمة.. أنعي لكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة.. ومفردات العهروالهجاء والشتيمة.. أنعي لكم..أنعي لكم.

يقولون إنه عندما طلب من القائد الإسرائيلى المنتصر على الجيوش العربية فى حرب 5 يوينه 1967إسحق رابين تسمية هذه الحرب لم يتأخر الرجل وقال فورا (حرب الأيام الستة) رابطا بين تلك الحرب وخلق العالم في ستة أيام؛ ليودع فى الخيال أننا أمام حالة خلق جديدة، ولا مناص من التسليم بها وبنتائجها.

كثير من الباحثين يقولون إن تأسيس إسرائيل لم يكن فى 15 مايو 1948 بل كان فى 5 يونيو 1967، وكثير من الباحثين يقولون إن تغيير وجه الشرق الأوسط لم يكن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ولكن كان بعد هزيمة 5يونيو 1967.

وكثير من الباحثين يقولون إن هزيمة 1967 لم تنتهى يوم 10 يوينو ذلك أنها لم تنتهى أصلا ولازالت من هولها تتوالد منها هزائم يومية فى كل وجوه الحياة التى يحياها المصريون والعرب .

لم تكن نكسة كما حاول هيكل التمويه والتحذلق، و كأن الأمر كان يتعلق بزلة عابرة حزينة لنظام يسير بالأساس على طريق صحيح وعليه فتكون لكل مسيرة عظيمة نكسة كما لكل حصانٍ كبوة لم يقف الأمر عند ذلك الحد فقط بل وبلغ التمادى فى الضلال إلى اعتبار أن القصة ليست قصة ارض أخذت بل قصة أنظمة تقدمية قومية لم تستطع إسرائيل إزاحتها، انهزمت اسرائيل إذن، هى فقط احتلت أرضأ ويالبساطةما فعلت!

من كان فى وضح الظهيرة تائها** هل يهتدى فى الليلة الليلاء؟

 يا صاحبى هيهات تبصر مقلة ** تمشى وراء بصيرة عمياء .

مدرسة البلاغة السياسية الكذوبة التى دشنها الاستاذ هيكل وبلغت أوج أكاذيبها فى 5 يونيو 1967 ستستمر كثيرا وطويلا وسيكون لها تلاميذ كثر وأساتذة ومناهج، وهو مانسمعه كل يوم ونقرأه كل يوم، ألم اقل لكم ان الهزيمة لازالت تتوالد فينا وتلد اشكالا شوهاء فى كل وجوه الحياة. لم تكن هزيمة5 يوينو حدثا عابرا بالتاريخ العربي بل كانت دمارا حضاريا وتاريخيا ماحقا ومريرا ومروعا لقد خاضت أمم كثيرة حروبا انتهت بانتصارات وهزائم ولكنها لم تحدث في بنية مجتمعاتها ما أحدثته هزيمة 5 يوينو.

أنعي لكم يا أصدقائي اللغة القديمة والكتب القديمة..

أنعي لكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة..

ومفردات العهروالهجاء والشتيمة ..

أنعي لكم..أنعي لكم ..

نهايةَ الفكرالذي قاد إلى الهزيمة ..

هكذا نعى الينا نزار كل شىء .

والغريب أنه طوال نصف قرن لم يحدث أن اقترب احد بشكل منهجى وعلمى من هزيمة تعد أكبر هزيمة عسكرية عرفها العرب في تاريخهم الحديث لا من زاوية العلوم السياسية والاجتماعية ولا من زاوية العلوم العسكرية والإستراتيجية فى حين صدرت في إسرائيل مئات الكتب والدراسات في تحليل الحرب وأسبابها ونتائجها وتوثيقها وفي تحليل كل معركة من معاركها ناهيك طبعا عن مذكرات الساسة والجنرالات الذين عاصروها .. (عقلية تبرير الهزيمة ما زالت موجودة فنبرر ما نراه من انهيارات وجرائم ترتكب باسم الوطن تارة والدفاع عن النظام التقدمي تارة أخرى بل، وزدنا عليها المذهبية والقبور المقدسة ومحاربة الإرهاب والمؤامرات الأجنبية لتدور كلها في فلك واحد هو قمع المواطن وتقييده وتحويله إلى شيء فلا يفكر ولا ينتقد ولا يطمح لتغيير ويتحول الجميع إلى قطيع يدور تحت حجري الرحى الذي يديره الحاكم الذي لا هم له إلا السلطة) هكذا كتب صادق جلال العظم بعد الهزيمة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها