هدم صناعة الدواجن في مصر

دُعيت في شهر مارس أذار سنة 2013 من قبل اتحاد منتجي الدواجن في مصر لحضور مؤتمرهم عن صناعة الدواجن ومشاكلها واحتياجاتها ، وكانت فرصة طيبة للاطلاع على هذا القطاع المهم ومعرفة الطاقات المصرية الواعدة فيه للاكتفاء من اللحوم البيضاء والبيض وخصوصا بعد استجابة الرئيس الدكتور محمد مرسي لدعوة الفلاحين بتعيين نائب لوزير الزراعة لشؤون الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية ولوجود استثمارات في قطاع الدواجن تتجاوز 35 مليار جنيه حينها ، وتوفر طاقات علمية عالية لإنجاز مهمة توفير الغذاء النظيف بسعر جيد لشعب دفع ثمنا غاليا للحرية والعيش الكريم إذا تضافرت جهود المسؤولين والمستثمرين في هذا القطاع.

في مجال صناعة الدواجن يعمل أكثر من 3 ملايين عامل ويحركون استثمارات كبيرة في هذه الصناعة التي تضم أيضا قطاعا شعبيا واسعا هو القطاع الداجني المنزلي والذي يمثل إنتاجه أكثر من 30% من إنتاج الدواجن والبيض في مصر ويفضل منتجه كثير من المواطنين على منتج المزارع ويعمل فيه قطاع كبير من السيدات الريفيات على وجه الخصوص وهو للأسف غير محدد بأرقام لأنه لا يعني اتحاد منتجي الدواجن (أصحاب المزارع الكبيرة) ولا تهتم الحكومة به ووجود المجتمع المدني فيه هامشي رغم أنه مجال جيد للعمل والكسب الذي يمكن أن يدر ربحا جيدا يساعد الأسر الفقيرة ، ناقش المؤتمر حينها احتياجاته من الأعلاف والأدوية واللقاحات والأمصال ووجد أن مصر تملك بنية أساسية جيدة يمكن أن تحقق الطفرة المأمولة للاكتفاء المحلي والتصدير (كما كان قبل 2006) فموسم زراعة الذرة الصفراء وفول الصويا (الأعلاف) هي العروة النيلية حيث لا يجد الفلاحون محصولا يوفر دخلا جيدا لانحسار زراعة القطن والأرز الذي تفرض الحكومة غرامات كبيرة علي زراعته ، ويمكن إذا تحركت إرادة المسؤولين في وزارة الزراعة على تشجيع الفلاحين والمزارعين على زراعتها (الذرة الصفراء والفول الصويا) لكانت عوضا عن الاستيراد وتوفير العملة الصعبة ودعما لصناعة الدواجن وتقليلا للأسعار وتشغيلا للأيدي العاملة وتنشيطا للسوق الاقتصادي ، وقد تم التعاقد حينها بين اتحاد الدواجن وجمعية الإصلاح الزراعي على أن يكون ثمن “أردب الذرة الصفراء” أي ما يعادل 150 كيلو غراما نحو  350 جنيها مصريا ونحو 2330 جنيها للطن، وتعهد اتحاد منتجي الدواجن حينها بتوفير الاحتياجات من لحوم الدواجن الحية بعشرة جنيهات للكيلو حال تسلمهم ذرة من المنتج المصري ورحب الفلاحون بذلك،  مما كشفه المؤتمر أيضا وجود مصنع حكومي لهيئة المصل واللقاح بمدينة 6 أكتوبر تكلف إنشاؤه 400 مليون جنيه ويحتاج للاستكمال في حدود 100 مليون جنيه وذلك لإنتاج المصل واللقاح وعدم الحاجة للاستيراد بعد أزمة إنفلونزا الطيور في سنة  2007 (نحن نستورد الآن 85% من الأمصال واللقاحات التي تحتاجها صناعة الدواجن بعد توقف المصنع) ، كل هذا ذكرتني به الأزمة الحالية التي تعيشها مصر والتي وصل فيها كيلو الدواجن إلى 28 جنيها مع استيراد الهياكل العظمية والأجزاء التي ترفض حكومات الدول الأخرى إطعامها لشعوبها ، ووصل سعر طن الذرة الصفراء 6250 جنيها حاليا.

إن مصر تملك بنية أساسية كاملة وسوقا واسعة يستطيع إنتاجها أن يكفيه وهو ما صرح به رئيس اتحاد منتجي الدواجن ونائبه ، إن احتياجاتنا لا تزيد عن 100 ألف طن وهي مسألة هينة ومن ثم وجب على الحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المنتج المحلي ودعمه ، لكن العجب كل العجب أن تفرض الحكومة إجراءات عكسية تهدد صناعة الدواجن وتفسح الباب بإجراءات صادمة لتشجيع المستورد (قرار مجلس الوزراء بإعفاء الدواجن المجمدة المستوردة من الضرائب الجمركية في الفترة من 10نوفمبر تشرين الأول 2016 وحتى 31مايو أيار 2017).

إنها شبكة فساد كاملة تعمل في قطاع التصدير والاستيراد وتحميها وترتبط بها قيادات كبيرة في الوزارات المختلفة ولا يدفع ثمنها إلا المواطنون الفقراء.

لقد عطل الانقلاب العسكري وحكوماته كل المحاولات التي كان هدفها توفير الحياة الكريمة للمواطن المصري وبأقل سعر وأعلى جودة مع توفير فرص العمل وعدم الحاجة إلى الاستيراد .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها