نبيل عمر ينسي يكتب: تجريم النقاب

شرعت السلطات المحلية في المغرب نهاية الأسبوع المنصرم في توجيه تعليمات لكل من يتاجر أو يعمل في مجال خياطة النقاب، قاضية بالكف عن إنجازه أو عرضه للبيع. يتبع

عندما يتعلق الأمر بالتعاليم التي تتنافى مع  مكارم الأخلاق، تقف الدولة العلمانية على الحياد وتجد ألف مبرر لحيادها، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأخلاق الحميدة نجد نفس الدولة تتخلى عن ذلك الحياد وتجد ألف مبرر أخر لتتنصل منه، ولنأخذ قضية شائعة مثال على ذلك، وهي ما تطلق عليه اسم العلاقات الغير الشرعية، تقول لك رجل بالغ عاقل رشيد، والمرأة مثله، اتفق كل منهما على استغلال جسد الأخر، أنا ليس لي من الأمر شيئا، هم أحرار  مالم يكون هناك ضرر على المجتمع.

لكن عندما يتعلق الأمر بالأخلاق الكريمة أو حتى ركن من أركان الإسلام، تجد مبررات كثيرة لعدم الحياد، ولنأخذ الصيام مثال على ذلك، صرّح الرئيس التونسي بورقيبة في خطاب 5 فبراير 1960 “هذا ما يتعيّن عليكم إدراكه حقّ الإدراك دون أيّ التباس قد يركبه خصومنا الكثيرون مطيّة للتهجّم علينا وحملنا محمل الكفر والعياذ بالله. إني لا أدعو الأمّة إلى ترك الصيام وانتقل بعدها الرئيس للفعل وشرب كأس عصير في صباح رمضان أمام الشعب، وكان تبرره حاضراً فقال تونس البلاد الإسلامية تعاني درجة من الانحطاط تجلب لها العار في نظر العالم، ولا سبيل لأن ترفع هذه المعرّة عن جبينها إلا بالعمل الدائب المتواصل.

شرعت السلطات المحلية في المغرب نهاية الأسبوع المنصرم في توجيه تعليمات لكل من يتاجر أو يعمل في مجال خياطة النقاب، قاضية بالكف عن إنجازه أو عرضه للبيع, ومنحت فرصة 48 ساعة للتخلص منه، عبر وثائق تم توزيعها، وهذه الوثائق رسمية باعتبارها أنها صادرة عن “الباشا”، والباشوية هي السلطة المحلية في إطار تقسيم تراتبي، تأتي بعد الإقليم والجهة وعلى رأسه وزارة الداخلية، وهذا القرار جاء تمهيداً لتجريم النقاب وإلا ما معنى هذا القرار، غير تضيق على المنقبات الآن، وتقليل من الجدد.

وكان حري بها أن تصدر قانوناً يمنع بيع الخمور، بدل من حدر بيع النقاب، وقانونا آخر يجرم الفضائح التي تخدش الحياء التي لا تتوقف القناة الثانية عن بثها، لأنها مؤسسة تنتمي لدولة تقول عن نفسها أنها من أتباع الفقه الملكي والعقيدة الاشعرية، والإمام مالك يقول عن النقاب أنه شعيرة إسلامية، فيما يقول عن الخمر أنه من محرمات الإسلام، سؤال هنا أين ذهب المذهب المالكي؟ سؤال أخر أليس هناك تناقص بين هذا القرار وبين مؤسسة إمارة المؤمنين؟

إننا لانطلب من دولة أن تدعم الفضيلة كما تدعم أشياء أخرى على القنوات العمومية، ولا نطلب منها أن تدعوا للأخلاق الكريمة كما تدعوا لأشياء أخرى في نفس القنوات، إننا نطلب منها أن تقف على الحياد، أن لا تمارس إكراها على أحد من أبناء الوطن، أن لا تملي على أحد الطريقة التي يحيا بها، سواء كان يريد أن يرتدي نقابا أو حجابا، أو لا نقاب أو لا حجاب، هم أحرار في اختيار ما يعتقدونه خيراً لهم في دنيا والآخرة.

في الحقيقة لم تكون وزارة الداخلية تملك القدر القليل من الحكمة في هكذا قرار، ليس من مصلحتها أن تعادي أي فئة من الشعب، كيفما كان حجمها، وليس عليها أن تحاول تقليل من هذا تنوع في المجتمع المغربي، بل العكس من ذلك عليها أن تثريه وأن تدعمه، لأن هذا تنوع من أسباب رقي الأمم وازدهارها، وهو من الأشياء التي تحافظ على أمن الوطن واستقراره.

لم تختلف وزارة الداخلية في هذا القرار كثيراً عن تنظيم الدولة، فهذا التنظيم يسحق شخصيتك بأن يلزمك بأن تحيا بطريقة يراها هو حسنة، فيجعل من المساكين الذين هم تحت سطوته شخصاً واحد لا مجتمعا حرا، وهذا تقريباً ما تسعى له وزارة الداخلية في هذا القرار، فهي تقول تعروا جميعاً، أو قل أنها تقضي على طريقة من طرق الحياة في المجتمع المغربي، وإن كانت هذه الطريقة هي الأقدام والأعراق بين كل الطرق الموجودة داخل المجتمع المغربي، وهي الأقدس أيضا.

ليس من مصلحة المجتمع المغربي أن تظهر مؤسسة من مؤسسته بمظهر المعادي لدين، الذي هو أكبر جامع للشعب المغربي، والذي له فضل كبير في ظهوره هذه الدولة، و يكفي أن نسترجع كيف نشأت الدولة العلوية في المغرب، لنرى فضل الإسلام عليها، إننا ندعوا وزارة الداخلية أن تتمسك بالحكمة التي عهدنها بها في كثير من القضايا، وأن تعود عن هذا القرار وألا تعطي مبررا لكارهي الحياة بأن يعبثوا بأمننا.

نبيل عمر ينسي
مدون مغربي

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها