مينا عوني يكتب : هل تجوز الخيانة

نحن خونة، حين لا ننطق بكلمة تحت تعذيب محاكم تفتيش عسكرية، وينتهي بنا المطاف إما في ثلاجة مشرحة بالأيام حتى يعلم أهلنا بمصيرنا،أو نظهر في فيديو مسجل نعترف وأعيننا مكسورة.يتبع

ربما هذا الحديث لايهم قطاعا عريضا من البشر، فنحن قلة، على وشك الانهيار، ضعفاء، ليس ضعفنا لقوة عدونا، ولكننا ضعفاء كوننا بشر.

 

نصل إلى أعلى نقطة الصمود، ثم نهوى إلى آخر نقطة ضعف إنساني.
نقترب من عامنا الثالث تحت حكم السلاح، والقلق، والمطاردة.

 

نخفض صوتنا عندما نتحدث، نتكلم بالرموز، اتخذنا أسماء جديدة “مستعارة”، يُكَرُ الخيط كلما اعتقل واحد منا، يُعَذّب، ثم يزيد جلادوه عذابه، حتى يتكلم ومَن بعده يُعتقل فيعذب ويزيد عذابه حتى يقول، وهكذا.

نحن القلة المندسة، المنبوذون في وطننا، جماعتنا، في مهنتنا، قدمونا عندما اختفوا، ويبعدوننا الآن عندما فهمنا ما معنى ثورة، وما معني التغيير، والتطوير، والمستقبل، والموت والحياة.

نحن الخطر، الشباب أمل المستقبل، والخطر على الماضي، هي الحكاية المروية منذ القديم إلى الحديث، ليس لنا فضل في شيء، أعمالنا المتوفقة، مستقبلنا الغامض، كلها أمور يغيرها الله من حال إلى حال “كن فيكون”.. ولكننا بشر. نضعف، تخور قوانا. نفكر في الهروب إلى آخر نقاط المجرة، فهل الهروب خيانة؟.

هل نحن خونة، حين قررنا الوقوف إلى النهاية؟!، هل نحن خونة، عندما قلنا للماضي ولأفكاره، ورموزه لا؟ هل نحن خونة، حين ننتظر كل لحظة ملثمين عسكريين يقتحمون بيوتنا ليقتلونا، أو يترقبوننا ويخطفوننا ويخفوننا أياما وأسابيع وشهورا؟

هل نحن خونة، حين لا ننطق بكلمة تحت تعذيب محاكم تفتيش عسكرية، وينتهي بنا المطاف إما في ثلاجة مشرحة بالأيام حتى يعلم أهلنا بمصيرنا، أو نظهر في فيديو مسجل نعترف وأعيننا مكسورة وأجسادنا منهوكة بأننا قتلة وسفكة دماء؟.

هل نحن خونة، عندما نرى كثيرا من أبناء جيلنا، والتاليين لنا في العمر قد بنوا مستقبلا “زادهم الله رخاء”، وبين آخرين في المعتقلات والقبور أعمارهم وأعمار محبيهم تهدر على ساحات المقابر وذرات رمال السجون، وآخرين في المهجر فقراء، بين هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء نقف كالأعراف، ننتظر فرجا قادما لا محالة؟ هل نحن خونة، عندما قررنا فكرنا وحاولنا اللحاق بالمستقبل؟.
 

على الأعراف نقف، قدم في النار وأخرى في النار، لا جنة هنا، هل نخون ونسافر إلى النقطة البعيدة حيث لا ماضي، أو ننتظر إحسانا من هذا وذاك، أم نموت في كل لحظة مرة أو مرتين.. قد أكون ضعيف الإيمان،  ربما، فالأيمان يزيد وينقص

 قد أتوقف هنيهة لمراجعة كل شيء، ولكنها الدائرة المفرغة التي أعيش فيها، نموت إذا بقينا ونموت إذا سافرنا، خونة إذا سكتنا وإذا تكلمنا وإذا احتجبنا.
 ويبقى السؤال هل تجوز الخيانة؟!

 

مينا عوني
اسم مستعار لعضو بجماعة الإخوان المسلمين بمصر  

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها