“مي سكاف” الباقية التي رحلت

ماتت صاحبة (سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد)

مي سكاف، ممثلة سوريا. من مواليد مدينة دمشق، درست الأدب الفرنسي في جامعة دمشق وشاركت في العديد من الأدوار المسرحية والتلفزيونية والسينمائية. عرفت بتأييدها للثورة السورية منذ بداياتها عام 2011 ورفضها لنظام بشار الأسد.

وكانت الراحلة قد غادرت دمشق، التي اعتقلت فيها مرتين على يد الأجهزة الأمنية للنظام السوري، لتبدأ رحلتها في عمّان ثم بيروت، وتحط رحالها أخيرا في باريس التي دفنت في إحدى ضواحيها بعد رحلة شاقة من النضال السلمي.

لم أكن أتخيل انه سيأتي يوماً وأبكي فيه على شخص لا تربطني به علاقة ولا سابق معرفة أبداً.

بكيت أمام قبرها الذي لم يبعد عني سوى (سنتيمترات)، لست مٌتذكراً الموت وسكراته، وإنما بكيت على إنسان مات في غربته منفياً بعيداً عن وطنه، وذكرياته فقط لأنه قال لحاكم مٌستبد (بدنا حرية).
ان من الممكن أن تعيش حياة ليس لها مثيلٌ مٌنعَمة ومرفهة ويتم تكريمها يومياً إذا أحبت؛ ولكنها أبت وأصرت أن تنتصر إلا لمبادئها أولا التي تشبه مبادئ الثورات العربية ككٌل (الحرية، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية)، حتى بعد منفاها لم تنس الثورة والثوار في معتقلات الأسد، وظلت تناضل من أجل حريتهم ففي 7 يوليو/تموز 2018 أي قبل وفاتها بحوالي 20 يوما، كتبت على صفحتها في الفيسبوك:

“نحن الجبناء.. نحن أبواق.. نحن العجزة والخائفون. نحن شواهد العار وهم.. شهداء كرامتنا”  

  إشارةً منها إلى شهداء ثورة سوريا العظيمة، وكانت قبلها في مايو قد كتب على حائطها بالفيسبوك.

“ما بدي موت برات سوريا .. بس”،  متغلباً عليها الإحساس والفكر بأنها ستموت وستٌدفن في المنفى. تخيلت للحظات كم من معارض لنظام الحكم في بلاده يمكن أن يحدث له هذا.
وضعتٌ نفسي أيضا في هذا الموقف، مستغرباً وسائلا نفسي والدموع تسيل على وجهي لماذا تكاتف العالم وتكالب على الثورات العربية وإرادات الشعوب وخصوصا سوريا العظيمة، ليموت الثوار منفيين، ويبقى الأسد متنعماً في جبروته، وتدمير الوطن؟

“مي سكاف” ليست ممثلة كالممثلات المصريات أو العربيات الذين يعيشون على شعار (عاش الملك، مات الملك) ممتطين ظهور جميع الأنظمة متنعمين بحصد الألقاب كمثال (الأم المثالية) وغيرها.

رحيل “مي سكاف” يندرج تحت ما يسمي بالخذلان العربي والإنساني، فلم يتحمل جسدها وعقلها كل هذا الخذلان فماتت بالسكتة الدماغية

رغم أنه لم يمر على إقامتها مدة طويلة في مدينة (دوردون) جنوب باريس، قالت عمدة المدينة، أثناء تأبين جثمان مي: “إنها عاشت وماتت على مدينتها وهي تحمل كل هذه القيم النبيلة والإنسانية في قلبها”. ورغم أنها لم تمكث طويلا في هذه المدينة إلا أنها كونت علاقات طيبة مع كل أهل المدينة حتى نها كانت على علاقة طيبة مع (عمدة المدينة) التي أقامت تأبين جثمانها من داخل المركز الثقافي بالمدينة.

على بيتها وضع الأقارب والمحبون. صورة كبيرة لـ (مي) كٌتب عليها.

جملتها الشهيرة:

“لن أفقد الأمل .. لن أفقد الأمل، إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد”

وسط حراسات أمنية مشددة وحضور أكتر من مئتي شخص، منها شخصيات سياسية فرنسية وسورية معارضة لنظام الأسد وفنانون سوريون في المنفي وطالبات وطلاب (مي)التي كانت تعلمهم الموسيقي في المركز الثقافي بالمدينة، تحرك جثمانها ملفوفاً بعلم الثورة السورية مخترقاً شوارع وأزقة المدينة إلى مثواه المؤقت إذ أوصت بأن يتم نقل جثمانها بعد تحرر سوريا من عصابة الأسد. 

حول قبرها اجتمع مئات من المحببين ورفقاء الثورة ودَّعوها بدموعِ وصمتِ وهدوء، ونثروا على قبرها ألف وردة كرمز إلى عدد المعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد، فهم كما (مي) حرمهم الأسد من متعة الحياة. 

وأخيرا، أنا على يقين بأن كل ما تمنته (مي) سيتم تحقيقه والوصول إليه. وستنعم الراحلة في قبرها الأبدي بسوريا. قريباً بعد سقوط الأسد وتحطيم صنمِه في كبري ميادين دمشق، التي اعتقلت فيها مي، وسيتم نصب تمثال لها، وسيٌكتب على أطرافه” “إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد”.  

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها