منى تركي تكتب: مجهول وقح

كان الشباب في كليتنا الوليدة وعددهم يقل بأقل من النصف عن الفتيات قد بدأوا يفرضون اقتراحهم بإخلاء نصف المقاعد في الصفوف الأمامية لهم. يتبع

أمشي في طريقي وهو يقابلني بخطاه السريعة في اتجاهي، حتى إذا أصبحت المسافة بينه وبيني هي الأقصر همس لنفسه موجها الكلام إلى مسامعي: “استغفر الله .. قصير، لفيييين وصلتِ يا عدن. “.

لم يعنِني قصده (البالطو القصير الذي أرتديه) بقدر ما استوقفني تركيب تعليقه قليل الذوق ذاك.

منطقيا، لنصل إلى البقعة البعيدة التي يعبر عنها صاحبنا هذا، يجب على عدن أن تكون قد انطلقت من واقع مختلف يصبح البالطو القصيرعنده في الحاضر تحولا حادا، المشكلة هنا أن عدن كانت مدينة متحررة حتى بداية التسعينيات والتحول الوحيد الذي ينطبق عليه تعليق “لفييييين وصلتِ. يا عدن” هي النتيجة المتطرفة في الاتجاه الآخر الآن (الجلباب الأسود) كل الاحترام لصاحباته.

من مجهول وقح في الشارع إلى الكارثة ، كبير وعاظ عدن، السيد مدير أوقاف عدن لم يمارس الإرهاب الفكري فقط ، مصنفا كل من لا يتقيد بطريقته الضيقة في الحياة بالمنحرف بل و كذب على عدن في كل حجته حين ادعى أن الاختلاط دخيل عليها. ليحذف من ذاكرتنا كلها، سنين يعرفها ذوونا الذين عاشوها بسنين القلوب النظيفة و العلاقات الصادقة. ذاك الوضع الاجتماعي الصحي الذي بدأ ينهار في اللحظة التي حولوا فيها الاختلاط من وضع اجتماعي طبيعي إلى هوس مرضي كالذي اصطدمت به في كليتنا قبل يومين.

كان الشباب في كليتنا الوليدة وعددهم يقل بأقل من النصف عن الفتيات قد بدأوا يفرضون اقتراحهم بإخلاء نصف المقاعد في الصفوف الأمامية لهم تماشيا مع بعض الكليات لتبقى المقاعد آخر القاعة لنا، نحن الفتيات حتى ولو جاءوا متأخرين. رفضت قطعا و معظم الزميلات هذا الإجراء التعسفي و غير العادل، لكن قلة أخرى كان لهن رأي ديني معيب حقا. الأمر أن مؤيدي الفكرة كانوا من مهووسي خطر الاختلاط و يؤمنون بنظرية أنه متى ما كان الشاب قريبا من فتاة – أي فتاة – خاصة إذا جلس خلفها فلن يتمكن من التركيز في درسه لأنه لا يستطيع كبح شهواته الذكورية تجاهها.

صُدمت لمجرد وجود الفكرة المحرضة ضد مبدأ الزمالة والأخوة! هكذا وساوس تُـمرض المجتمع، توتر العلاقات، تنهي كل فرص للاحترام، تضع الشاب في مرتبة حيوانية عدوانية بحتة و تجعلنا نحن الفتيات في حالة خوف و دفاع دائمين.

موقف كهذا لا يعالج إلا بـ ” بأن نجي بدري .. بأن نلحق قدام .. و اللى يجلس ورايا ويحس نفسه كذا و لا كذا يكلمني و آني من عيوني باصنجه كفين لما أصحيه .. عيييب نحن أخوان ” ردي عليهن.

وبقي أن أشيد بزملائي الشباب الذين احترموا قرارنا و طبقوه فورا، واعتذروا عن أي إساءة لم يقصدوها.

منى تركي
مدونة يمنية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها