من أجل التعايش السلمي

لو قلنا إن الجماجم هي جماجم مقاومين جزائريين، هل احتفاظ السلطات الفرنسية بهذه الجماجم إلى يومنا هذا كان حبّا فيهم؟ و احتراما لهم؟ هل تملك فرنسا ذرة من الإنسانية؟ لماذا أبادتهم؟!

في الصميم، ماذا لو كانت الجماجم جماجم حَرْكَى؟ ترددت في كتابة هذا التقرير، حول قضية “جماجم المقاومين الجزائريين”  الموجودة حاليا في متحف “الإنسان” بباريس، و التي تنازلت فرنسا عنها (شفهيا)  بتسليمها للحكومة الجزائرية و إعادة دفنها بالتراب الوطني، طبعا  صدر هذا القرار  من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب زيارته إلى الجزائر وبطلب من السلطات العمومية، لا يهم كم عدد الجماجم الموجودة إن كان 18 ألف جمجمة أو 20 ألفا أو  مائة ألف أو أكثر، كما لا يهم إن كانت لكل جمجمة قبر، أو أنهم سيعاد دفنهم في قبر جماعي، لأن الحكومة الجزائرية لا تعاني من أزمة عقار الدفن، فمقبرة العالية هي مأواهم، و ستقام لهم جنازة “افتراضية “مشرفة لا ينساها التاريخ، جنازة يحضرها ممثلو الدول الصديقة المقيمين في الجزائر  وسفراؤها، و كذلك  القطاع العسكري و ممثلو الوزارات لاسيما وزارة المجاهدين، و الأحزاب السياسية ، و حتى من لا علاقة له بالثورة.

إلى هنا الأمر  يبدو عاديا جدا، لكن نتساءل هل إلى هذا الحد أصبحنا نثق في فرنسا، فرنسا التي قتلت ملايين الجزائريين طيلة 130 سنة استعمار، و عذبت رجالا و  نساء و اغتصبتهن،  و اعتقلت مقاومين و قطعت رؤوسا و أحرقت جثثا (محرقة أولاد رياح عام 1845 بجبال الظهرة كعينة)، و  يكفي أنها قتلت 9 ملايين شهيد خلال حرب 54 فقط ، و ليس مليونا و نصف المليون كما يقال، أعود و أقول هل نثق في فرنسا بعد كل هذه الجرائم البشعة التي ارتكبتها بحق الجزائريين؟ هل نثق بفرنسا التي تركت أغلبية المجاهدين معطوبي حرب؟ هل نثق فيها و نُصَدِّقُهَا و نحن لا نعلم أن تلك الجماجم فعلا ربما جماجم مقاومين جزائريين؟ قد تكون هذه الجماجم،  جماجم حَرْكَى  les harkas أو كما يسمون goumia ، أرادت فرنسا رد الاعتبار لهم بإعادة دفنهم في بلادهم؟ ثم كيف تمكنت السلطات الفرنسية من تحديد هويتهم؟ خاصة بالنسبة للذين أحرقوا جماعيا و تفحمت جثتهم؟، ثم ماذا عن الرهائن التي ترفض فرنسا إعادتهم إلى وطنهم؟، و اعتبرتهم ملكا تاريخيا، و هم 32 من جماجم قادة المقاومة الجزائرية حسبما تشير إليه الأرقام.

و الحركى les harkas ، هم الجنود الذين قاتلوا في صفوف القوات الفرنسية ضد الثوار الجزائريين خلال حرب نوفمبر 1954، وغادروا التراب الجزائري عند استقلال البلاد رفقة المستوطنين والفرنسيين، بأمر من جبهة التحرير الوطني، التي رفضت بقاءهم بالجزائر نظير خيانتهم للقضية الوطنية، و حتى و لو قلنا بأن الحفاظ على هذه الجماجم بأسماء أصحابها، تمت عن طريق “التحنيط” على طريقة الفراعنة، من يثبت أنها أسماء جماجم مقاومين؟ كما أن المطلب الجزائري جاء  متأخرا، بحيث ظهر في مارس 2011، أي بعد 49 سنة من الاستقلال،  كما أنه جاء وفق اتفاقيات إيفيان بين الجزائر و فرنسا، و التي انتهت بالاستفتاء على تقرير المصير مقابل شروط تضعها فرنسا، إذا قلنا إن اتفاقية إيفيان ما تزال موضع جدال و تناقض بين القادة التاريخيين، لدرجة أن بعضهم رفضها و لم يعترف بها، كما أن تصريح وزير المجاهدين الحالي و الذي مثل الوفد الجزائري الذي أوفدته السلطات الجزائرية إلى فرنسا في جانفي “يناير”2016 و قال بصريح العبارة: إن هناك أمل لاسترجاع الجماجم، و هذا يؤكد أن السلطات الفرنسية لن تقبل هذا المطلب إلا بشروط تعجيزية يصعب على الجزائر تنفيذها، و ستظل تراوغ سياسيا و تراوغ.. و تراوغ ، و تستعرض عضلاتها حتى تعود السلطات الجزائرية إلى رشدها وتتنازل عن هذا المطلب.

و السؤال يطرح نفسه بنفسه، حتى لو قلنا إن الجماجم هي جماجم مقاومين جزائريين، هل احتفاظ السلطات الفرنسية بهذه الجماجم إلى يومنا هذا  كان حبّا فيهم؟ و احتراما لهم؟ هذا يعني أن فرنسا تملك ذرة من الإنسانية؟ ولن لماذا أبادتهم  إذن؟، و لماذا تستولي على أرض ليست أرضها و تستعبد سكانها؟ ، من جهة أخرى هل اهتمت الحكومة الجزائرية بمجاهديها المعطوبين، و أعادت لهم الاعتبار، حتى تفكر في هذا المطلب و نحن نقرأ هنا و هناك عن مجاهدين أحياء مازالوا مغبونين، و عائلاتهم تعيش في الفقر، لا يجدون حتى ثمن العلاج، حتى تتبنى مشروع استعادة جماجم مقاوميها؟، الحقيقة هي أسئلة تحتاج إلى إعادة نظر، حتى لا نقول أن الأمر يحتاج إلى فتح تحقيق حول حقيقة  تلك الجماجم و هوية أصحابها، و معرفة مصير المفقودين الجزائريين خلال الثورة الجزائرية؟ 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها