ملتمس الرقابة في التجربة البرلمانية المغربية

إن ملتمس الرقابة الذي يعتبر أخطر آلية لمراقبة عمل الحكومة وإثارة مسؤوليتها السياسية يقدم فقط من المعارضة، على الرغم من أنه حق مشترك بين كل من الأغلبية المعارضة.

يعتبر ملتمس الرقابة من الآليات السياسية التي ترتب مسؤولية الحكومة إلى جانب كل من سحب الثقة والتنصيب البرلماني للحكومة.

وقد عرفت التجربة البرلمانية في المغرب تقديم ملتمسين للرقابة، الأول عام 1964 والثاني عام 1990، ولم يؤدّ أي ملتمس منهما إلى إسقاط الحكومة، نظرا إلى القيود الدستورية التي تعرفها هذه الآلية السياسية، فلا يمكن أن نتصور الأغلبية البرلمانية تساند المعارضة من أجل التصويت

على الملتمس وإسقاط الحكومة، فملتمس الرقابة يعتبر حقا دستوريا مشتركا بين الأغلبية المعارضة، لكن من حيث التفعيل يبقى حقا خاصا بالمعارضة البرلمانية.

ففي 1964، ومع أول تجربة برلمانية عرفها المغرب آنذاك (1963-1965)، تقدمت المعارضة البرلمانية بملتمس الرقابة ضد الحكومة، وقد وقع هذا الملتمس 24 نائبا، لكنه فشل بسبب عدم وجود الأغلبية المطلقة والتي تتمثل في تصويت 73 نائبا وفق مقتضيات دستور 1962 في فصله 81.

أما الملتمس الثاني، فقدمته كذلك المعارضة ضد حكومة عزالدين العراقي، وقدمه حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وفشل في إسقاط الحكومة، نظرا لعدم توفر النصاب القانوني المتمثل وفق الفصل 75 من دستور 1972 في أن الملتمس لا يقبل إلا إذا وقعه على الأقل ربع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من لدن مجلس النواب إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وهو الأمر الذي سارت عليه جميع دساتير المملكة، ومنها دستور 2011 الذي اشترط على ضرورة تصويت الأغلبية المطلقة على الملتمس، الأمر الذي أصبح معه البرلمان أكثر عقلنة وخاضعا للحكومة.

الملاحظ هنا أن ملتمس الرقابة الذي يعتبر أخطر آلية لمراقبة عمل الحكومة وإثارة مسؤوليتها السياسية يقدم فقط من المعارضة، على الرغم من أنه حق مشترك بين كل من الأغلبية المعارضة، فالقيود الدستورية التي وضعها المشرّع الدستوري المغربي، من أجل تقديم ملتمس الرقابة تبقى إيجابية.

وفي الوقت نفسه، تبقى سلبية، فإيجابية من حيث عدم منع دخول البلاد في أزمة سياسية، ومعه يتم حل البرلمان وإعادة الانتخابات، خصوصا أنّ الأخيرة يتم عليها تبذير أموال كثيرة، وسلبي من حيث لا يعقل أن يبقى البرلمان معقل خاضع للسلطة التنفيذية التي تعتبر هي بنفسها أزمة سياسية واجتماعية، خاصة إذا كانت تنفذ مخططات وبرامج بدون إثارة مسؤوليتها السياسية وتفعيل ملتمس الرقابة، وبالتالي فهذا الأخير يعتبر ورقة من أجل إيقاف عمل الحكومة بمبادرة برلمانية إذا توفر النصاب القانوني.

كما يلاحظ بأن ملتمس الرقابة رغم فشله، كانت له مجموعة من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فملتمس الرقابة لسنة 1964 كان له أثر بعد مرور عام على تقديمه، إذ أعلن الملك عن حالة الاستثناء، بسبب الأحداث الدامية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء يوم 23 مارس/ آذار 1965، ومعها تمّ حل البرلمان إلى غاية 1970. وهي المرحلة التي عرفت صراع بين القصر والأحزاب السياسية، خصوصا حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنشق عن حزب الاستقلال عام 1959، وكانت فرصة من أجل إعادة النظر في الوضعية الاقتصادية والسياسية التي كانت تمر بها البلاد، آنذاك.

أما ملتمس الرقابة الثاني لسنة 1990، فعلى الرغم من فشله هو كذلك، فإنه خلّف آثار سياسية، من بينها التعديل الدستوري لسنة 1992 و1996، بالإضافة إلى تجربة التناوب الحكومي التي أعطت لصاحب الملتمس الرقابة أن يقود الحكومة في عام 1998، وكذلك انشقاق مجموعة من الأحزاب، من بينها حزب الحركة الشعبية سنة 1991، وظهور أحزاب جديدة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها