مذاق رمضان في السجون

أقبلت يا رمضان، وهذا يصرخ في حمام زنزانته، وذا يصحو من نومه على كابوس مخيف يحوله لطفل يسمع نشيجه في إحدى زوايا الزنزانة المعتم.

بأي حال أقبلت يا “رمضان” ؟!  أقبلت وسلخانات الجنرال وأقبيته تغيب خلف قضبانها عشرات الصحفيين، وآلاف الشباب تشبح ظهورهم هراوة السجان وتذل رقابهم بيادة الغربان.

أقبلت وحقوق الانسان تداس بقدم قاسية الوطأة في سجون وحشيه أشبه ما تكون بمحاكم التفتيش تبدأ بالقمع والتعذيب وتنتهي بالإبادة أو الإعاقة أو الاختلال العقلي والنفسي تعبر عن قلوب ماتت فيها كل معاني الإنسانية وحلت مكانها معاني الإجرام والقتل والقسوة.

أقبلت ومعاناة الصحفي المعتقل تعكس واقعا صارخا يوصم جبين المجتمع الدولي والضمير الإنساني ومتشدقي الحريات بالعار، تبدأ بإذاقته أقسى أنواع الإهانة والحط من كرامته والطريقة التي يكبل بها ثم بانهيال عناصر دولة الخوف عليه ضربا بأرجلهم وكعوب أحذيتهم وبنادقهم وتوجيه الكلام القاسي والنابي للمعتقل وعائلته وإجباره على تقبيل الحذاء، مرورا بأساليب لا تختلف في بشاعتها من “شبح” وهي طريقة تعذيب مؤلمه يعلق فيها المعتقل لفترات طويله، إلى أن يجلس على كرسي مائل يضاعف الضغط على العمود الفقري والضرب المبرح على الصدر والأماكن الحساسة، والهز العنيف الذي يؤدي إلى نوع من الهلوسة والغثيان الناتج عن ارتجاج الدماغ، وتعريته في البرد الشديد والثلج وصب الماء البارد، هذا كله بخلاف الاعتداء الجنسي أو التهديد باغتصاب اخته أو زوجته أو تعريتها أمامه.

أقبلت يا رمضان، وهذا يصرخ في حمام زنزانته، وذا يصحو من نومه على كابوس مخيف يحوله لطفل يسمع نشيجه في إحدى زوايا الزنزانة المعتمة، يتفصد العرق من جبينه وتتدفق دموعه من عينيه كنهر جارٍ لا ينضب، وآخرون ما بين مهلوس لا يفهم من كلامه شيئا ومن يرسم ذكريات حياته وصور أطفاله على جدران قبوه والذي يلعن في كل ثانية ودقيقة جهل شعب رضي بالخزي، إنها مشاهد تروع العقول وتدمي القلوب، وصمة عار في جبين الإنسانية.

أقبلت وأسر المعتقلين مفككة وممزقه تحجم عن أبنائها لعدم امتلاكها ثمن محتويات زيارة السجن، صارت دورها قدور تغلي بماء قراح، وصغارها يتضورون جوعا.

أقبلت رمضان، وجميع التهم والقضايا المنظورة بالمحاكم المختلفة لا تقم على أساس قانوني بل ترتكز على خصومة وتصفية حسابات سياسية. أقبلت ونظام نازي أرعن يتبع سياسة القتل البطيء بصورة ممنهجة بحق مئات الحالات الصحية المتردية في السجون.

أقبلت والآلاف ما بين طاعن في السن على مشارف الموت وشباب في عمر الزهور، وصبية لم تبلغ الحلم بعد رهائن أقبية قاتلة، في ظل دستور مغيب، وقانون منتهك ووطن جريح يئن.

رمضان شهر الانعتاق من أصفاد الشياطين، فمتى تفك أغلال، وتقض قضبان وترتق ثقوب ليتحرر أسرى دولة القهر.

رمضان فرصة حقيقية لأن يخوض المعتقلون معركة انتزاع حريتهم بأيديهم عبر الأمعاء الخاوية.

وللحديث بقيه..

أسامة البشبيشي من خلف قضبان طرة – القاهرة

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها