محمد صلاح يكتب: بلغوا عن “رابعة” ولو بشارة

طهروا أيديكم من الدماء وارفعوا أصابعكم الأربعة عاليا، استخدموا شعار الجماعة أو اصنعوا شعاراتكم الخاصة، اكتبوا رابعة رقما أو أحرفا أو رسما ، ولكن لا تتوقفوا عن ترديدها. يتبع

 في احدى  مشاركاتي في اشتباكات شارع محمد محمود في نوفمبر 2011 ، جائتني فكرة مباغتة ، ماذا لو لم تتحرك الجماهير بشكل أكبر ، ماذا لو استطاع المجلس العسكري تسكين الزخم الثوري الجديد بانتخابات البرلمان ، واذا شاركت القوى المحافظة من اخوان وسلفيين وفلول في البرلمان ، هل يمكن أن يهدأ الميدان ويخنع المحتجون .

جائتني الإجابة سريعا خلال أيام ، تحديدا اليوم الأول لانتخابات البرلمان حيث سكنت الأجواء واختفت المظاهر الاحتجاجية وانشغل الشارع المصري بالكامل بأكبر انتخابات برلمانية جرت في تاريخه من حيث عدد المشاركين ترشحا وتصويتا .

انتهت الاشتباكات الدموية وبقي لنا عشرات الضحايا ومئات المصابين من رفاق الثورة ، ودماء مختلطة بالتراب وبقايا من “كاوتش” محروق وحجارة ، رحل نظام المجلس العسكري وترك لنا شواهدا على غيه وعدوانه ، ترك لنا عدة تواريخ وأسماء لشوارع وميادين وضحايا ، بمجرد ذكر التاريخ أو المكان يقفز الى الذهن رائحة الغاز وصوت الرصاص وصور الضحايا ، وأسماء المجرمين وصفاتهم أيضا .

كما ارتبطت مذابح محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو والعباسية بأماكن حدوثها ، ظلت مذبحة رابعة قابعة في ذاكرة المتابعين للشأن العام مرتبطة بميدان رابعة العدوية ، وهو ما حاولت السلطة محو آثاره بطمس معالم الميدان وتغيير اسمه الى ميدان هشام بركات .

 

تحولت إشارة الركاب الى سائقي الميكروباص على الطريق لميدان رابعة بالأصابع الأربعة ، الى إشارة دالة على فض اعتصام الإخوان ومؤيديهم في مذبحة هي الأكبر في التاريخ المصري الحديث .

بالرغم من أن الإشارة لم تظهر سوى بعد فض الاعتصام ، ولم تستخدم أبدا كشعار لاعتصام عودة محمد مرسي قبل الفض ، الا أن استغلالها من قبل الإخوان ومريديهم فيما بعد على أنها الشعار الجامع لرافضي الانقلاب والمطالبين بعودة شرعية محمد مرسي ، بدلا من أن تكون شعارا للتضامن مع المذبحة والتذكير بالجريمة التي ارتكبت آنذاك ، جعل العديد من الرافضين للمذبحة ولكنهم يرفضون أيضا عودة مرسي ، يمتنعون عن استخدام الشعار .

بعد مرور عامين على المذبحة وبعد أن توقفت مطالبات الجماعة بعودة مرسي ، واعتبرت عودته ضربا من الخيال بعد أن ثبت النظام العسكري الحاكم قواعد حكمه ، وبعد أن تجبر واستفحل واعتبر أن المذبحة هي شرعية حكمه لتغطي على مذابح سابقيه ، بعد أن امتنعنا عن استخدام الإشارة ، وتوقفنا عن التذكير بالجريمة خنوعا أو استكبارا .

أعتقد أن الوقت قد حان لتتوقف المزايدات حول استخدام اشارة رابعة باعتبارها شعارا إخوانيا ، وضرورة اعتبارها شعارا يحمل ذكرى المذبحة ، تضامنوا مع ضحايا الفض وذكروا النظام الحاكم بجريمته الكبرى التي سولت له أن يضع الشباب في السجون ويحول نفسه الى امبراطور الحرب والدم ، ذكروا العالم بما كان في رابعة .

ذكروا الإخوان بأخطائهم في عام حكمهم الأوحد ، لا تتوقفوا عن مراجعتهم ونقدهم ، ولكن أثناء ذلك فلنراجع أنفسنا وننقد مواقفنا السابقة واللاحقة ، لنضبط مصطلحاتنا وننزع عن أنفسنا مزايدات تذيل الاخوان ، لنحق الحق في التذكير بالمذبحة ونبطل الباطل في توصيف الانقلاب العسكري .

مر عامان منذ دفنا رؤوسنا في الرمال وهربنا من الدم الذي أريق ، تركنا المساحة لتجار الدماء ومحترفي تبرير القتل ، عامان لاحقتنا فيهما لعنة الدم فأريقت المزيد من الدماء وفي انتظار إراقة المزيد ، اعتقل الألاف وفي انتظار المزيد ، تذكروا اننا إن إصررنا على دفن رؤوسنا أكثر من ذلك فلن نقدر على رفعها ثانية .

عامان من التبرير والتنكيل والتهليل والتطبيل ، عامان من البكاء والرقص والصراخ والغناء ، عامان من الحزن المكبوت والفرحة الظاهرة ، حتى تحين ساعة الحقيقة فنصارح أنفسنا بأننا قصرنا في حق من قتل في رابعة حتى بالصمت العاجز ، لم نقتص لشهدائنا في مجازر سابقة ولكننا لم نصمت عن حقوقهم أو ذكراهم ولم نسكت لمن برر الدم .

عامان من التزييف والخداع والترويج للباطل ، عامان من المداراة والهروب ، عامان من قلب الحقائق وتغيير التاريخ ومحو الأثار ، جهود بذلت وأموال أنفقت وقنوات أغلقت وصحف حجبت ، شباب قتلوا وأصيبوا واعتقلوا وطوردوا .

طهروا أيديكم من الدماء واغسلوا قلوبكم من الوهن ، ارفعوا أصابعكم الأربعة عاليا ، استخدموا شعار الجماعة أو اصنعوا شعاراتكم الخاصة ، اكتبوا رابعة رقما أو أحرفا أو رسما ، ولكن لا تتوقفوا عن ترديدها ، استخدموا أيديكم للتضامن مع الضحايا بعد أن أمضيتم عامين في التيه ، أو كفوا أيديكم عن المتضامنين والموتورين ولا تذكروهم بسوء

 محمد صلاح – ناشط سياسي مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها