محمد السواح يكتب: الاختلاف في الرؤى والمطلوب الآن

قرار السلمية الموجعة واستخدام القوة للدفاع عن الانتهاكات يجب أن يتشاور فيها جميع أفراد الصف وليس المجالس المنتخبة فقط لعموم أثر الأحداث على جميع الأفراد. يتبع

ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو أن المشروع والحلم الإسلامي على وشك التحرر من ربقة الاستعمار وعلى التحرر من التبعية  ومن الهيمنة الغربية،  وأن الأمة أوشكت على أن تنتقل من مرحلة الغثائية التي ألمت بالأمة منذ عقود طويلة خلت،  إلى مرحلة  القيادة والريادة والمجد والعزة وإلى مرحلة المنعة والقوة واتوقع أن يقود الأمة في هذه المرحلة أصحاب الرأي والحركة والفهم الصحيح للإسلام، وفى مقدمتهم الإخوان المسلمون وكل العاملين للإسلام بتجرد وتضحية وفداء لذلك جاء هذا المقال من ضمن المقالات التي تغذى وتقوى النقد الذاتي المفيد لهذه الحركة وغيرها من الحركات.

ولأن الإخوان كانوا ومازالوا يشكلون حجر عثرة ضخم أمام أطماع الغرب والصهاينة والمشروع الأمريكي في المنطقة،  وأمام الحكام من العرب والمسلمين،  كانت محاولة تفتتيهم وسحقهم كبيرة وضخمة بدرجة غير مسبوقة من ذي قبل، ولكسر الجماعة من وجهة النظر الغربية كان لابد من الضغط عليها بكل وسائل الضغط المتاحة أمامهم من ضغوط مالية ونفسية وأمنية واجتماعية حتى يمكن لهم في نهاية المطاف من هزيمتها، حيث أن المستهدف هو إنهاء وجود الحركات الاسلامية واستئصالها لا مجرد إضعافها .

وهذه الضغوط التي تتعرض لها الجماعة هي أكثر قسوة وأشد عنفا من ضغوط الخمسينات  والستينات والتي حدثت في الحقبة الناصرية  وهى تذكرني بحافظ الأسد وحزب البعث في سوريا  في طريقته في التعامل مع الإخوان، والذى وصل إلى درجة إعدام كل من يثبت أنه إخوان، وأظن أن هذا هو المخطط المرسوم للإخوان في مصر الآن،  فكان طبيعيا كرد فعل تجاه هذا التصعيد أن تحدث ارتدادات قوية داخل صفوف الجماعة وداخل الحركات الإسلامية الأخرى التي تتبنى التغيير السلمى  وتداول السلطة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأن تحدث تغيرات فكرية عميقة  بعمق الأحداث التي تعرضت ومازالت تتعرض  لها الجماعة والحركات الاسلامية .

فعلى الصعيد الفكري أرى عدة محاور رئيسة حدث فيها تغير كبير مثل الشورى، استخدام القوة، القيادات التاريخية، نظام الحكم، الثوابت وعلى رأسها السلمية ومنهج التغيير، ومفهوم القائد الأوحد، آليات الانتخاب، وفي كل مرة سأتناول مفهوماً وأحاول أن أعرج عليه تعريجا سريعا.  

الشورى

على سبيل المثال تم تدريسها كثيرا داخل كل المستويات التنظيمية للجماعة، ومع كل ما تم تدريسه، وما قيل فيها وما تم تأصيله من أدلة شرعية، إلا أن المواقف العملية التي وقعت وتتوالى أحداثها يوما بعد يوم تعيد صياغة هذا الملف بكل قوة، فالمشكلة ليست في التأصيل النظري للشورى ولكن في التطبيق، خاصة مع دخول أفراد كثر داخل التنظيم جعل عملية تحقيق الشورى بالصورة المرجوة والتي تحقق المراد منها أمرا صعبا خاصة في ظل غياب كثير من القيادات إما بسبب المطاردة أو الاعتقال أو السفر  .

ومن وجهة نظري فإنه لابد من  توسيع دائرة الشورى ودائرة أخذ القرار في القضايا المصيرية  وعدم الاعتماد على مجالس الشورى فقط،  بل نزول الشورى لمستويات متعددة في الجماعة حتى المستويات التي انضمت حديثا للجماعة، ومن المهم أن تكون الشورى في هذه الدوائر ملزمة لا مجرد أخذ آراء وتصورات ثم بعد ذلك يتم الاعتماد في أخذ القرار على  المستوى الأعلى وفقط، وأزعم بأنه إذا حدث هذا في هذه المرحلة العصيبة والتي في حال تطبيق الشورى بآليات جديدة سوف تعصم من الانشقاق والانقسام .

بل أنني أرى ضرورة مشاركة الحركات الأخرى في أخذ القرارات الاستراتيجية عملياً لا صورياً، فقرار السلمية الموجعة والرد على ما يحدث من انتهاكات  واستخدام القوة للدفاع عن الانتهاكات  (كمثال لتطبيق الشورى ) يجب أن يتشاور فيها جميع أفراد الصف وليس المجالس المنتخبة  فقط لعموم أثر الأحداث على جميع الأفراد، ويجب على القيادة الالتزام بهذه الشورى حتى وإن خالفت وجهة نظرها فلا يجوز في هذه المرحلة أخذ القرار في المستوى الأعلى دون الرجوع إلى القواعد لأن عدم مراجعة القواعد سوف يعجل بالانشقاق وعدم الالتزام برأي القادة لأن القواعد في الأزمات الكبرى  تتحمل ضريبة كبرى في مواجهتها للانقلاب .

ولنا في رسول الله أسوة حسنة ففي غزوة بدر لما خرج لملاقاة المشركين من قريش لأخذ العير وهرب أبو سفيان وتحول الأمر من عير إلى نفير استشار من كان معه من الصحابة وعددهم ثلاثمائة وبضع عشرة رجل وطلب استشارتهم جميعا لم يستثنى منهم أحد، ولما أبطأ الأنصار في الرد ظل يستحثهم في ذلك حتى عبروا عن وجهة نظرهم بحرية واختيار، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخذ منهم البيعة في مكة بايعوه على أن يحموه من أي اعتداء على المدينة ولم يبايعوه على قتال خارجها،  فأراد صلى الله عليه وسلم مشاركتهم في الرأي حتى لا يجبرهم على أمر لم يبايعوا عليه، فيقاتلوا دون رغبة منهم ودون استعداد لتحمل تبعات هذا القتال، وهذا إن دل فإنما يدل على احترام الرسول لرأي الصحابة ولأنهم مشاركون معه في تحمل التبعات.

وملخص الاستفادة نرى أنه من الضروري بل من الواجب طرح مسائل الاختلاف على القواعد ومشاركة جميع الأفراد في صياغة الرؤية والهدف والاستراتيجية ولا تكون حكرا على المستويات العليا من الإدارة، وإعادة تقييم الأحداث جميعها وتحديد السلبيات والايجابيات وتحديد الثغرات التي نفذ منها الانقلاب إلى مراده، وتحديد المسئول عن هذه الأخطاء ،وتشكيل قيادات جديدة بعد تحديد ما سبق  عن طريق انتخابات حقيقية لا توجيه فيها ولا تلميح ولا تربيط وذلك حتى ننطلق إلى الأمام في كسر الانقلاب وقيادة وريادة العالم على أسس منهجية واضحة يشارك فيها كل أصحاب الفضل والعمل لدين الله.

 محمد السواح
ناشط سياسي مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها