ماهر قنديل يكتب : ليبيا بين البغدادي والتدخل الأجنبي

التهديد الأبرز للفرقاء في ليبيا اليوم يتمثل في الصعود المتزايد لتنظيم الدولة حيث أصبح يسيطر بشكل شبه كامل على مدينة “سرت” في وسط البلاد. يتبع

 ماهر قنديل/ مدون جزائري

سيحمل عنوان المرحلة المقبلة من الأزمة الليبية مشاكل من ثلاث عناوين رئيسية تتلخص في أن  الحل الليبي سيكون بين تنفيذ الفرقاء لاتفاقية الصخيرات وتهديدات أبو بكر البغدادي وإمكانية التدخل الأجنبي.

(1)-مدى نجاح تنفيذ بنود الصخيرات بين الفرقاء: إشكاليات محلية عديدة وطوباوية دولية.
الوضع في ليبيا يعرف منعرجاً حاسماً مع بداية السنة الجديدة، يتميز بالتوقيع التاريخي بين الفرقاء الليبيين المتمثلين بحكومتي طبرق وطرابلس على بنود اتفاقية الصخيرات الداعية إلى توحيد الصفوف والجهود بينهما تحت رعاية الأمم المتحدة في سبيل مواجهة خطر تنظيم الدولة (داعش).

لكن، تطبيق الاتفاقية لن يكون بتلك السهولة والطوباوية التي يتوقعها المجتمع الدولي، بل سيتوقف على مدى الوعي السياسي الذي يتمتع به الفرقاء الليبيون في محاولتهم لإخراج البلاد من هذه المحنة، ومدى وعيهم بالمخاطر التي ستؤول إليها ليبيا في حال عدم نجاح التطبيق الحرفي الدقيق لاتفاقية الوحدة على أرض الواقع.

أما التساؤل الأهم الذي يجب طرحه الأن، هل سيقتصر نجاح تنفيذ بنود اتفاقية الصخيرات في الأرض على فرقاء الداخل فقط؟ أم أنه يتعداه ليشمل فرقاء الإقليم الداعمين لهذا الطرف أو ذاك، خاصة أن الفرقاء الإقليميين هم من يملك الأدوات الأساسية (لوجيستيك عسكري، أموال، إعلام، تأثير دولي) لتحريك الصراع الداخلي بين طبرق وطرابلس.

أما في حال تمتع الفرقاء الليبيين في الداخل وشركائهم الإقليميين في الخارج برزانة كبيرة، وتمتعوا بروح توافقية، وتم التوحيد الفعلي بين الحكومتين تحت حكومة وفاق وطني برئاسة “فايز السراج” ، فإن إشكاليات أخرى ستطفو للسطح كالألية الواجب اتباعها لمحاربة الجماعات المتشددة.

وعن كيفية استرجاع الأسلحة من الميليشيات العسكرية، وعن إعادة إدماج عناصر المليشيات في جيش وطني موحد يكون نواة الجيش الليبي المستقبلي، وكل هذا يتطلب جهد وتنسيق كبيران، وعمل طويل لا يبدو الفرقاء في ليبيا مستعدين له على الأقل في الوقت الراهن، بالإضافة إلى إشكالية أخرى قد تبدو هي الأغرب والمتعلقة بمدى السيطرة الفعلية للطبقة الفوقية السياسية والعسكرية عند الطرفين الموقعين في الصخيرات على الطبقة التحتية المتحاربة.

(2) تهديدات تنظيم أبي بكر البغدادي: محاربة داعش ترمومتر دولي لقياس مدى تنفيذ بنود الصخيرات بين الفرقاء.. التهديد الأبرز للفرقاء في ليبيا اليوم يتمثل في الصعود المتزايد لتنظيم الدولة (داعش) حيث أصبح يسيطر بشكل شبه كامل على مدينة “سرت” في وسط البلاد، وتتواجد عناصر داعش بكثافة لكنها لا تسيطر كليًا في مناطق أخرى “كدرنة” و”بنغازي” في شرق البلاد. الصعود المستمر والمتزايد لتنظيم الدولة لا يهدد الحكومتين في طبرق وطرابلس فقط، بل يهدد وحدة وأمن المنطقة ككل. والمنطقة هنا لا تعني شمال أفريقيا وبعض مناطق الساحل الأفريقي كتشاد والنيجر ومالي فقط، بل يتعداه على ما يبدو ليشمل أيضًا دولًا أوربية كإيطاليا وفرنسا (على الأقل هذا ما صرح به المسؤولون عندهم وهذا ما سأعود إليه لاحقاً).

عودة إلى تهديد داعش للفرقاء في ليبيا، لن يكون هذا التهديد مقتصراً على الساحة الحربية الميدانية بل سيؤثر كذلك على التطور في الجانب السياسي، حيث سيكون تنظيم الدولة “كالترمومتر” الذي سيقاس عليه مدى تطبيق بنود اتفاقية الصخيرات بين الفرقاء من طرف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. فكلما صعد تنظيم الدولة وارتفعت أسهمه في ليبيا بتحقيق التقدم والانتصارات يعني ذلك أن الفرقاء لا يقومون بواجبهم التوافقي الوحدوي، وكلما نزل ونقص تأثير داعش في ليبيا يعني أن الفرقاء في طبرق وطرابلس يقومون بعمل كبير وجبار في إطار تنفيذ بنود الصخيرات. وهذه الحالة الفريدة الذي وصل إليها الوضع في ليبيا لن تنتهي إلا بإحدى السيناريوهات التالية: إما القضاء على داعش نهائيًا وقيام حكومة وحدة وطنية حقيقية ستكون مخولة لقيادة ليبيا إلى بر الأمان مستقبلاً، أو بقاء الحال على ما هو عليه وزيادة تمدد داعش (ولو ببطء) ما سيستلزم إحدى الأمرين: إما تدخل أجنبي لمحاربة داعش وتوحيد البلاد بالقوة، أو تقسيم فعلي لليبيا بين طبرق وطرابلس وتشكيل كل من الحكومتين قوتها العسكرية لمحاربة داعش من حدود خريطتها وضيق أفق مصالحها..
تهديد تنظيم الدولة يبدو أنه سيصبح العنوان الثاني الأبرز في المرحلة المقبلة ليبياً.

(3) إمكانية التدخل الأجنبي: بين التاريخ والحاضر

التدخل الأجنبي لمحاربة داعش في ليبيا سيكون العنوان الثالث الأبرز في الفنرة المقبلة، خاصة مع ارتفاع عدد الأسطوانات التي ينتجها الغرب مؤخراً بدون كلل ولا ملل شارحًا مدى تهديدات داعش الكبيرة على أوربا وسواحلها المتوسطية، والمفسرة لخطورة زيادة عدد اللاجئين الذين يفرون من داعش في ليبيا بالزوارق على أوربا وأمنها.

وبالعودة قليلاً إلى التاريخ الليبي، وقبل أقل من مائة سنة، تحديدًا عند انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء وخسارة المحور والإيطاليين، ما أسفر عن خروج الإيطاليين “الفاشستيين” من ليبيا، ترددت حينها نفس الأسطوانة تقريبًا؛ لكن بموسيقى مختلفة كانت النغمة فيها متمثلة بنشر الوعي بين عموم الشعب الليبي وتعليمهم كيفية تسيير شؤونهم، فتم على هذا الأساس تقسيم ليبيا سنة 1949 على ثلاثة أقسام: تحت رعاية الأمم المتحدة، بريطانيا (إقليم برقة)، فرنسا (إقليم فزان)، وإيطاليا (إقليم طرابلس الغرب)، واليوم نسمع نفس الأطراف تقريبًا تعيد تجديد الأسطوانة القديمة بتغيير الموسيقى قليلاً لتناسب العصر الحالي والنغمة الجديدة فيها هي محاربة التطرف ومنع اللاجئين من التدفق على سواحل أوربا المتوسطية، والراعي في الحالتين هي منظمة الأمم المتحدة.

في النهاية، تبدو المعادلة الليبية في المرحلة المقبلة معقدة نوعًا ما والحل سيمر بإحدى الطريقين التاليين: إما إنجاح تنفيذ اتفاقية الصخيرات وتوحيد الحكومتين بالتوقف عن الاقتتال والتوافق على أليات عمل مشترك تكون تحت حكومة وفاق وطني يقودها “فايز السراج”، والبدء بالعمل جديًا للقضاء على تنظيم داعش، أو البقاء على هذا التشتت والتجزؤ ما سيسفر عن إمكانية تدخل أجنبي سيكون تحت بندين أولهما القضاء على تنظيم الدولة (داعش) والثاني مراقبة عمل قوى التوافق المحلي عن قرب.

ماهر  عدنان قنديل

كاتب ومدون جزائري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها