ماذا تحمل أيها العام الجديد؟

احتفالات العام الجديد

نسيت أن المسرح يمكن أن يجعل الممثلين يجلسون مع الجمهور بهدف تكسير الجدار الرابع، انتظرنا صعودهم إلى الخشبة لكنهم فضلوا الكراسي الناعمة عوض الوقوف ولعب دور حقيقي يليق بإخراج المسرح.

أفكر أحيانا في أن أطفئ النور دفعة واحدة، وإن كنت مع ذاتي أتساءل عمَّ تبقى منه داخلي وسط هذه الكومة من الحرائق التي تصلنا عبر شتى الوسائط منها الورقية والإلكترونية وأحيانا الشفاهية؟

أتذكر علاقتي بالأباجورة في فضاء الغرفة الفارغة، أشعلها من جديد وإن كانت الساعة تدق في الحائط، ورنينها يحمل سؤال عن ماذا سيحمله لنا من جديد؟ هل سينتهي كل هذا الدمار من حولنا؟ أم سننجح في ترميم خساراتنا الباطنية؟

وما إذا كانت أشلاؤنا ستظل في مكانها أم ستبقى عصية يستحيل إيجاد مرقدا يليق بها؟ وهل سننسى اختياراتنا الاضطرارية مثل كل شيء على سطح هذه الدائرة الضيقة من الكون ونتمسك بضغوط ومتاريس ما سطّره المجتمع بالتفصيل الممل لكي نعيش ثقافة تقتلنا آلاف المرات كما يقول صديقنا نزار قباني؟ هل سنتحرر قليلا؟

ماذا تحمل أيها العام الجديد؟ أتعلم يا صديقي أن الصفحات الزرقاء تشتعل بهتافات الغضب ضد ترامب في الليل، وتعود في الصباحات الطرية لتفقد ذاكرتها من جديد كما لو أننا سافرنا في كبسولة الزمن.

هل يمكن لعلمائنا ومختبراتنا أن يفككوا هذا الإنسان ويحولوه إلى ذرات وجزئيات تسبق الصوت كي نسافر ونعود من دون حزام سلامة؟ أتعلم يا صديقي العزيز أن الصفحات نفسها نددت لموت ضحايا الدقيق المقنن صباحا وجعلت من الشوارع عرسا ولا أعراس ألف ليلة وليلة عقب تأهل المنتخب الوطني بالليل… أتعلم أيها العزيز أن لا شيء تغير هنا منذ العام الماضي بل وحتى الأعوام قبله إلا أضواء المدينة وسنوات تضاف إلى العمر دون أن نقبلها أو تقبلنا.

نسيت أن أخبرك، مازلنا نزوج القاصرات في أعالي الجبال وحتى في القرى المعلقة في الهواء، ومازالت نساؤنا يحملن إلى القبر عند كل ولادة اضطرارية، ومازال آباء العصور الوسطى يفتخرن بحرمانهن من الحق في الدراسة لأن دم الأنوثة زارهن، ويدفعون بكل جرأة نحو بيوتهن لا لشيء فقط لكي يسترن عوراتهن.

ماذا أخبرك بعد؟ إن صوت المثقف الحامي الأنيق لما يمكن أن نسميه الحرية والتحرر لم يعد له أي دور بل نكاد نراه يتسابق نحو موائد الرحمة كأصوات خرساء تغرد خارج السرب ولا نفهم متى يداهمها البياض الكلي في صمت رهيب أحيانا.

لقد صار صوته معنيا أكثر بجمع الجمجمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع في الصفحات الزرقاء!! إن فكرة التحرر التي يتقنع بها بعض الوشاة الجدد الذين تعلموا الحداثة بالسماع صاروا يتكاثرون مثل فطريات البرك الآسنة منفصمين تماما عن أطروحاتهم، وصاروا ينفثون أوهاما تثير الشفقة في محطات لم يكونوا على موعد مع التاريخ.

نسيت أن المسرح يمكن أن يجعل الممثلين يجلسون مع الجمهور بهدف تكسير الجدار الرابع، انتظرنا صعودهم إلى الخشبة لكنهم فضلوا الكراسي الناعمة عوض الوقوف ولعب دور حقيقي يليق بإخراج المسرحية.

إن الجبن أمام إيديولوجيات صارت موضة بعد سقوط جدار برلين يفرض علينا أن نعيد التفكير في التربية على قيم الانفتاح وإلا فإن هذه الانفصامات بالجملة يمكن أن تتحول إلى راديكالية مرضية لا ترتبط بأي موقف من العالم بل فقط بموقف تفجير الإنسان وجدانيا وفكريا وجسديا.

كم نحن بؤساء، نهتف للتحرر وعيوننا تقايض وجع الكبت والنفاق. دعك مني أيها العام الجديد ومن أقاصيص ترمينا للماضي وأخبرني متى تزورنا حقا لتحمل كل هذا التكرار؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها