ماجدة العرامي تكتب: خواطر على هامش مطبخ الثورة

فاجأني رد شاب بقسوة وطرد هذا الكهل ما زاد ملامحه كآبة وذهب تاركا في نفسي تساؤلات حول مصيره وحول استشراء هذه الظاهرة(التسول)في تونس خاصة بعد الثورة.يتبع

  ماجدة العرامي / مدونة تونسية

كان المطعم مليئا بضجيج الزبائن من حولي، وشوشرة عامليه والطاولات متفرعة ذات يمين الباب الرئيسي و ذات شماله، كتفرع شجيرات النخيل على الطريق الممتدة. كنت كعادتي أفضل الجلوس إلى تلك الطاولة الملتصقة بشباك يطل على شارع العاصمة، ربما كان السبب الأول في تفضيلي لتلك الطاولة إطلالتها على الشارع وعلى المارة وعلى السيارات مختلفة الألوان حتى لا أهتم بالزبائن وأبتعد قليلا عن أحادثيهم حول الساسة والسياسة و التي اعتادت أذني سماعها رغما عن نفسي.

ربما يكون مللي من القضايا السياسية التي استحوذت على عقول التونسيين بعد الثورة سببا في تفضيلي العزلة و اختيار هذه الطاولة، حتى  يتسنى لي بذلك النظر إلى صورة من غير صوت من خلال زجاج هذه النافذه.

 

نظرت  من غير وعي إلى سمات الوجوه والأرجل فوق الرصيف تسابق أرجل الخيل على ساحة السباق فكان الشارع يجمع هؤلاء المارة لكن الذي يفرقهم تفكيرعقولهم تلك اللحظة.
 
وغير بعيد عن هذا المطعم الذي يحويني كان هناك مطعم ثان يقابل نظيره تقابل الخصم مع خصمه في حلبة الصراع، ربما يكون سبب وجود المطعمين في المكان ذاته هو المنافسة التي لم ترض البقاء في دائرة السياسة فقط.
 
توقف نظري تلقائيا على كهل يبدو في عقده الخامس، وكانت علامات الإرهاق والشقاء على وجهه تشير إلى الإقرار بخصاصته، ويداه المشققتان تشيران إلى تصور حجم البرد الذي أتى عليها. وصورة ملابسه المرقعة تحكي وحدها بؤسه وشقاءه.


تابعت بفضول خطواته التي انتهت به محاذيا جماعة في المطعم المقابل ومد يده اليمنى توسلا، عسى أن يدفعهم الكرم لمده ببعض المليمات أو بعض الخبز الذي  ملأ الطاولة التي يجلسون إليها.
                                                                                      
لكن الذي فاجأني هو رد شاب بقسوة، وطرد هذا الكهل، ما زاد ملامحه كآبة فلم يجد بدا من حمل نفسه بعيدا  وذهب تاركا في نفسي تساؤلات حول مصيره و حول استشراء هذه الظاهرة( التسول) في تونس خاصة بعد الثورة.

أكان “بن علي” يقمع هؤلاء المحتاجين قبل الثورة، فلا نرى منهم الا القليل القليل، و نرى دبيبهم وخروجهم الآن، خروج جماعات  النمل من جحرها؟
أوصلت به الغطرسة لا فقط لقمع حرية التعبير الفكري بل لقمع هذه الفئة البسيطة، وحريتها في التعبير عن حالها المزرية؟
 
أيكون غلاء المعيشة ونقص مواطن الشغل سببا في استشراء هذه الظاهرة، وسببا آخر في زحزحة الطبقة المتوسطة وسقوطها للطبقة الفقيرة؟ أيكون الاهتمام شبه الكلى بالسياسة سببا وراء إهمال المسؤولين مشاكل المجتمع؟
هذا وذاك وكل هذه الأسئلة أثارها  في نفسي ذاك البسيط .

 
كانت الاجابة غير بعيدة فقد مرت في  ذاكرتي لحظتها صورة فرضت نفسها لترسخ في ذهني، وهي صورة امرأة متسولة اعتدى عليها بوليس “بن علي” على مرأى من الجميع، وصور جماعات فقيرة ربما كان الهدف من قمعها غاية “بن علي” لإخفاء عيوب المجتمع سنوات حكمه وإبرازه بصورة المجتمع المكتفي بثروات وهمية.
 
عندها فهمت أسباب نهضة هذه الفئة الفقيرة وإعطائها الحرية بعد الثورة، لما لها من فضل في قيام هذه الثورة،
ولما لها من فضل في إسقاط الة الظلم و البطش، والآن ونحن نلتمس الحرية بكل ما تحمله من معان: أما كان أفضل أن تتحرك الجمعيات الخيرية لمساعدة هذه الفئة من دون منع مانع؟ا أما كان أفضل أن نكرم المتسولين والكادحين بدلا من أن نطردهم بتعسف لنقطع بذلك مع عهد “بن علي”.
 
وفهمت حينها أن ما مر بتونس 2011 لم تكن ثورة المحتجين فقط بل ثورة المحتجين والمحتاجين، ورحلت في دوامة هذه الأسئلة دقائق حسبتها سنوات، وما أفقت منها إلا على صوت صاحب المطعم يسألني عم أشتهي أكله.

 ماجدة العرامي

صحفية ومدونة تونسية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها