ما عادت صور الأشلاء تؤثر فينا

ما الذي جرى حتى أصبحنا نجلس أمام شاشات التلفاز، ونمر على خبر مقتل العشرات في سوريا، فنستمع إلى خبر وكأنه حديث عابر كأي خبر رياضي، وربما كخبر فني، ثم لا نلقي بالا.

ما الذي تغير علينا؟ وما الذي جرى لنا؟ لماذا أصبحنا لا نبكي على القتلى؟ لماذا أصبح خبر الموت مجرد رقم؟ أذكر وقوع حوادث سير بكينا عليها أياما، ونحن لا نعرف الضحايا، وكم من عمارة سكنية فجعتنا عندما هوت على ساكنيها، وكم من طفل جعلنا نحمل آلام وأوجاع عدم القدرة على توفير العلاج له، فلفظ أنفاسه وحرق قوب الملايين، وبثت القصة على شاشات التلفاز وظلت تؤثر فينا بل تبكينا، فماذا جرى لقلوبنا حتى أصبحت مثل الحجارة؟ وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار.

ما الذي جرى حتى أصبحنا نجلس على شاشات التلفاز، ونمر على خبر مقتل العشرات في سوريا، فنستمع إلى خبر وكأنه حديث عابر كأي خبر رياضي، وربما كخبر فني، ثم لا نلقي بالا، ونبدأ في البحث عن محطة للترفيه أو الدراما، وربما الغناء؟

لم أكن أتصور أن يأتي يوم علينا ونحن نجلس نتابع صفحات التواصل الاجتماعي، فينقل خبر تشريد وقتل المئات، وتنشر عشرات الصور للقتلى والجرحى، فكيف يؤثر ذلك فينا؟ لا شيء، فتجاهل الخبر وتحريك الصفحة صعودا أو نزولا يفي بالغرض، وربما وضع وجه تعبير ي، لأحزنني أو أغضبني يفي بالغرض، ثم انطلق إلى ما كنت فيه إلى أصحابك وأصدقائك، فسامرهم وليسامروك، ولا عليك فأنت معذور. أصبحت أخبار الموت والدمار أكثر من تحصيها، وأصبحت روتين حياتنا حتى لم نعد تذكر متى حدث ذلك، هذا الحدث وقع اليوم، لا بل أمس وربما الأسبوع الماضي، وقد يكون حدوثه الأسبوع المقبل، فما عدت أحصي الأحداث، وأصبحت من التشابه والتكرار ما يجعل من يتابعها يخطئ فيها، فكم طفل أخرج وهو على قيد الحياة من تحت الأنقاض، وبقي في الدنيا وحيدا، بلا أب ولا أم، ولا أخ ولا أخت، وكم من شخص أبكانا وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة خنقا بغازات سامة، حتى ما عدنا نعلم هل هذه الصور من حدث اليوم أم صور قديمة؟

لقد وصلنا إلى مرحلة الصدمة، فما عاد خبر الموت يفجعنا، وبتنا نعيش حياة جحا، ونتبع قاعدتها الشهيرة يسلم راسي، لقد نجحت الأنظمة القمعية في إعادة هندسة المجتمعات، فالإسراف في القتل، بل التفنن في القتل قاد الجميع إلى نوع من ردة الفعل ضد هذه الأنظمة في بادئ الأمر.

ماذا يمكنني أن أفعل في ظل هذا الإجرام، الغضب بدأ يفتر، والتعاطف مع القتلى بدأ يقتصر على الدعاء، ثم أصبحت متابعة المواقع المختصة في فضح الجرائم، وأصبح الجميع يتجنب الحديث عن القتلى، لقد أدت الصدمة ما عليها بإتقان، إذ تبلدت مشاعرنا، وغلظ إحساسنا.

لا أدرى حد فقدنا لمشاعرنا، هل سيأتي يوم علينا نمر فيه قرب الجثث وكأننا لم نرها؟ هل سيأتي يوم علينا نجلس ونتسامر ونشرب الشاي والقهوة ونستمتع بجوار أناس يصرخون من جراحهم، والأشلاء تناثرت في المكان، لا أعتقد أن مشاعرنا ماتت، لنصل إلى هذه المرحلة، ولكنه سيناريو مقيت لمستقبل تتسارع فيه الحروب حتى أصبحت روتينا.

نشيح الوجه يمنة ويسرة، نتهرب من مشاهدة الأخبار، ونسعى إلى أن نعيش من دون منغصات للحياة، والحقيقة المرة أن منظر الاشلاء ودماء والجرحى، أصبحت تلاحقنا وتحاسبنا، أصبحنا نشعر بالعجز وتأنيب الضمير حتى أصبح الهروب من الحقيقة مخرجنا الوحيد، ألم ترى كيف يعيش أطفال سوريا في المدن المحاصرة، كيف تشغلهم ألعابهم وضحكاتهم البريئة رغم القصف المستمر.

لم يعد منظر الأشلاء يبكينا ولم يعد في الحياة ما يسعدنا، نتصنع في كل الأوقات، نعيش ونتعايش مع الخوف من آلات، وأصبحنا على يقين من أنه لا قيمة لنا، نعمل ليل نهار لدفع الضرائب للدولة، وتساهم في بناء الوطن ليكون بلدا حرا ذا سيادة يمتلك قوة عسكرية لا يستخدمها إلا على مواطنيه.

لن يصمد هذا السيناريو طويلا، وبعد وقت لا نعلم هل سيكون بعيدا أو قريبا، سيكون المواطن في معظم الدول العربية في مواجهة الأنظمة العربية، سواء التي تحكمه بشكل مباشر كما يحدث الآن في اليمن والعراق وسوريا وليبيا، أو الأنظمة العربية التي باتت تخشى من ثورات داخلية فتستبق لإفشال الثورات، وتشكل تحالفات كما فعلت دول التحالف العربي، وأصبحت مصدر قتل إضافي للعديد من الشعوب العربية، مثل اليمن وسوريا وليبيا، لم تعد مناظر الأموات تبكينا لأن الميت لا يبكي على جثمانه.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها