ليلة الاعتقالات الكبيرة

ربما تؤدي هذه الإجراءات إلي رد فعل غير متوقع من هؤلاء الذين هم رهن الاعتقال، وتحت وطأة التعذيب من جلاد الداخلية المصري الأسبق! ربما تؤدي إلي إثارة اضطرابات واقتتال دخلي.

تردد مؤخرا أن حبيب العادلي يشرف بنفسه علي عمليات التعذيب للأمراء في الأسرة الحاكمة الذين تم اعتقالهم في المملكة السعودية، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي، وشخصيا لا أستبعد حدوث هذا خاصة هذه الأيام بالذات، لأن المنطقة بأكملها مليئة بالمتناقضات والمفاجآت الصادمة، التي من شدة هولها وغرابتها وفظاعتها تجعل المرء غير قادر علي استيعابها، وغير قادر علي تصديقها أو تكذيبها.

وإن صح الخبر فإنه يفتح الباب أمام قدر كبير من التساؤلات عن حقيقة الدور الذي يقوم به وزير الداخلية المصري الأسبق، أو بالأحرى جلاد الداخلية الأسبق الهارب إلى المملكة !

ومع ذلك فإنه بالرغم مما يشعر المرء به من الألم والأسف للاعتقالات التي تمت بحق العشرات من الأمراء ورجال الأعمال، والتي أرغمنا أنفسنا إرغاما علي تصديقها والتسليم بوقوعها لهؤلاء الأمراء السعوديين من الأسرة الحاكمة، كما أرغمناها قبل ذلك على تصديق اعتقال أولئك الدعاة الأعلام مثل الشيخ سلمان العودة، والشيخ عوض القرني، والشيخ علي العمري، وغيرهم، الذين كانت جريمتهم  الوحيدة هي فضيلة الصمت الذي ارتكبوه بعدما غدر الإخوان وهم المملكة والبحرين ومصر والإمارات بالإخوان وهم أشقاؤهم في قطر وفرضوا عليهم حصارا اقتصاديا وسياسيا جائرا، بجملة أسباب واتهامات ملفقة غير قابلة للفهم والمنطق، بالرغم من ذلك كله، وبعد ذلك كله، فإننا  نؤمن بقدر أكبر أن كل ما جري هو في واقع الأمر مؤامرة كبري تحيط بالمملكة السعودية بل أنها تحيط بالمنطقة كلها.

الحقيقة  أن هذه الاعتقالات التي تمت بعد أن أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز المرسوم الذي ينص علي: “استثناء من الأنظمة والتنظيمات والتعليمات والأوامر والقرارات، تقوم اللجنة بالمهام التالية: التحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها, وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات, أيا كانت صفتها، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها، حتي تتم إحالتها إلي جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال”. وهو ما يعني بوضوح أن هذه اللجنة، والتي يرأسها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، فوق القانون ويمكنها من محاكمة الذين توغلوا في الفساد ومعاقبتهم وتجريدهم من أموالهم، وهو الشيء الذي أكده المغرد السعودي “مجتهد” موضحا أن حملة الاعتقالات للأمراء الهدف منها هو الاستيلاء علي أموالهم وملياراتهم، وما أكدته أيضا تغريدة ترمب الذي أثني بدوره علي تلك العملية وواصفا الأمراء بأنهم حلبوا المملكة! وربما يؤدي الأمر إلي رد فعل غير متوقع من هؤلاء الذين هم رهن الاعتقال، وتحت وطأة التعذيب من جلاد الداخلية المصري الأسبق! ( إذا صح ما نقلته نيويورك تايمز) ربما يؤدي إلي إثارة اضطرابات واقتتال داخلي _لا قدر الله_  ما يؤكد افتراض المؤامرة.

ولا شيء يؤدي إلي إثارة الحروب الداخلية التي تتقاتل فيها جماعات البلد الواحد بضراوة، ويموت فيها  ألاف الأبرياء، وتقسم فيها البلاد في نهاية الأمر إلى دويلات صغيرة يصعب عليها الاتحاد مرة أخري، وتنهب فيه ثرواتها ونفطها  وخيراتها، لا شيء أفضل وأسهل في ذلك إلا بزرع الفتن بينهم، سواء كانت انفصالية أو طائفية أو سياسية أو عرقية، وإغراق البلد بعد ذلك وقبل ذلك بكم كبير من الأسلحة التقليدية وربما الكيمائية! ( ملاحظة: أبرم ترمب مع الملك سلمان في الشهور الماضية صفقة السلاح التاريخية التي بلغت قيمتها ثلاثمئة وثمانين مليار دولار ! وربما أكثر، لأن كلا الطرفين يتكتم علي الأرقام الحقيقية !) لا شيء أفضل من ذلك  للأعداء، فهو من ناحية يجنبهم مشقة القتال المباشر والتورط فيه، ومن ناحية أخرى يحصلون علي ما أرادوه وتمنوه من تقسيم المنطقة بغير مشقة ولا قتال.

صحيح أن عنوان مكافحة الفساد هو عنوان ينطوي علي كل الصحة والصواب، لكن أن تكون تلك المكافحة كلها محصورة في الأمراء والوزراء من أبناء العمومة في الأسرة الحاكمة،  واعتقالهم والتحفظ علي أموالهم  بهذه السرعة وفي الساعات الأولي من الصباح ! وفي هذا التوقيت بالذات الذي يحترق فيه اليمن والعراق وسوريا وليبيا، وبداية وقوع الصواريخ الإيرانية الباليستية علي شمال شرقي الرياض التي أطلقتها  جماعة أنصار الله الحوثية من اليمن، فهذا من نقص الحكمة، ما يؤكد بقدر كبير أن ما جري هو مؤامرة كبري تحيط بالمملكة بل إنها تحيط بالمنطقة كلها كما قدمنا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها