ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان

كثيرةٌ هي المتلازمات، لا أحد يعرفُ منشأها ولا متى تشكلت ولا كيف تم الربط بينها على هذا النحو الغريب، لكنها موجودة.

شئنا أم أبينا نجد أنفسنا مجبرين على الاختيار؛ هل تريد أن تأكل خبزًا أم أن تحيا بكرامة؟ هل تريد أن تعيش حرًا أم أن تنعم بالأمان؟ هل تريد جدول كهرباء بأربع وعشرين ساعة أم أن تقبل بالتطبيع مع العدو أو التخلي إن حقك في العودة أو زيارة المسجد الأقصى؟ لماذا يتم تخييرنا دائمًا؟ ما منشأ العلاقة العكسية بين الخبز والكرامة مثلًا؟ أريد أن آكل خبزًا دون أن أشعر أن هذا الأمر ينقص من كرامتي.

يحق لي أن آكل ما أريد ويحق لي أيضًا أن أحيا كما أريد، كما أنه لا ينبغي للكرامة أن تنقص بزيادة عدد الأرغفة التي آكلها. من قال إن شعوري بالجوع مؤشر على أني أحيا بكرامة؟ أين هي الكرامة حين أجوع؟ وما هي الكرامة حين أعرى أو أشعر بالبرد أو أعجز عن توفير أدنى مستلزماتي؟ إن الظروف اللاإنسانية التي يحياها المرء هي أول خدشٍ لكرامته.

ماذا عن معضلة الأمان والحرية؟ لماذا يتم تخيير الإنسان-العربي خاصة -بينهما في كل مرة يحاول فيها أن يغير شيئًا ما أو ينتقد سلوكًا سياسيًا معينًا؟ لماذا تضطر الشعوب للتضحية بحصتها من الأمن مقابل أن تكون حرة؟

ألا يحق للمواطن -ضمن هذه الشعوب-أن يقول ما يريد وما لا يريد دون أن يؤثر هذا على شعوره بالأمان؟ أو أن يجد نفسه في زنزانة حقيرة فقط لأنه قال شيئًا ما؟ دائمًا حين أتذمر من جدول الكهرباء يقولون إن على أن أكون أكثر صبرًا أو بعبارة أخرى أكثر صمودًا. لست أدري كم ينبغي على المرء أنا يكابد حتى يُحسب الأمر لصالحه لا عليه.

ولست أدري كيف يقيس الآخرون معيار الصمود، هل عليّ أن أعيش على أربع ساعات من الكهرباء يوميًا كأنه أمر طبيعي؟ ألا يجتمع الصمود مع جدول كهرباء كامل دون انقطاع؟ لماذا يتم ربط القيم الإنسانية بحاجاتنا المادية على هذا النحو؟ ألا يحق لي أن أسهر على هاتفي المحمول قدر ما أريد دون أن يهدد هذا بشكل أو بآخر حقي في الوجود؟

لماذا يقنعون الفرد منا أن عليه دائمًا أن يضحي بشي ما مقابل حصوله على شيء آخر وأن يحرم نفسه من متع الحياة لأجل قيمة إنسانية معينة؟ ألا يحلو للقيم الإنسانية أن تتجلى إلا في موتنا وخرابنا؟ قد تشعر لوهلةٍ أن التوفيق بين هذه المتناقضات غريب بعض الشيء، لكنها ليست متناقضات على أية حال، هم فقط عودوك على هذا.

بإمكانك أن تعيش كل هذه الأشياء معًا. إنه ليس ترف العيش كما يقولون إنما هو العيش كما ينبغي له أن يكون.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها