لهذه الأسباب تفوقت “النهضة”!

لماذا حازت حركة النهضة على كل هذا العدد من المقاعد في الانتخابات البلدية الأخيرة، في جميع جهات الجمهورية بل في معاقل تعتبر مبدئيّا ملكية خاصة للدساترة مثل المنستير وسوسة؟ ليس كما يعتقد الجميع أن قواعد النّهضة منضبطة ولا تخرج أبدا عن الطّوع والطّوق، هذا زيف يراد به باطل. فالأسباب الحقيقية التي جعلت النهضة تحلٌّق لا يعلمها إلا من تابع الامر عن رويّة وتبصر على مدى السنوات الأربع الأخيرة.

في البداية لابدّ من التنويه إلى أنه حين كانت بعض الاحزاب تمتّع نفسها بلذة الانتصار في أواخر 2014 على الحزب ذي المرجعية الإسلامية كانت قياداتها قد شمّرت عن السّاعد وبدأت العمل والتحرّك من جديد وبناء الهيكل التنظيمي؛ حجرة حجرة، طوبة طوبة، لبنة لبنة، حيث توصّلت إلى القيام بانتخابات محليّة لقواعدها ثم انتخابات جهوية ثم انتخابات وطنية وأقامت مؤتمرها العاشر وانتخبت مجلس شورتها وفتحت مكتب تنفيذها للوافدين من قيادات أحزاب أخرى كالسيد محمد القوماني والسيد بلقاسم بلحسن، وهما كفاءات حقيقية. وفي خضم هذا جهّزت قائماتها للانتخابات البلدية منذ سنتين تقريبا واختارت عصارة نخبتها لتقود هذه الانتخابات

ثم التفت بعد ذلك إلى التّعبئة الميدانية في الوقت الذي كان فيه منافسيها يسعون بكل جهد إما لتأجيل الانتخابات وهو ما حدث خمس مرات متتالية في ظرف 4 سنوات أو تطرّفوا في تطريفها واتهامها وتشويهها.

حركة النهضة تعلم منذ شهور عديدة أنّ مقومات النجاح لديها قد توفّرت وزيادة، وتعلم قياداتها أن نسبة 27 في المئة حاصلة ولا مهرب منها، يعلمون أيضا وبالتدقيق الممل عدد الذين سيصوّتون لهم حتى وإن تدخل طارئ في منطقة ما فإنّه يتمّ تغطيته مع الوقت.

 هذا ما عاينته بنفسي حيث إن منطقة معينة من العاصمة ارتأى أحد القيادات القديمة في الحركة أن يقدم فيها قائمة مستقلة، ما سيحدث ارتباكا وتشتتا لأصوات أبنائها في تلك المنطقة. لم تتمّ مؤاخذة صاحب القائمة المستقلّة ولو بمجرد لوم بل على العكس انطلقت القواعد مباشرة ومن دون تضييع للوقت في تغطية النقص الحاصل في تلك النقطة وكأنّ شيئا لم يكن.

إضافة لكل هذه الأسباب فإن لحركة النهضة مكتب اتصالي محترف قد تمرّس منذ انتخابات 2014 على عملية قولبة وترويج المعلومة إضافة إلى قدرته على التصوّر والتنويع في الفكرة، ولا يسعك إلا أن تطلع على مقاطع الفيديو للحملة الانتخابية لتقف على حرفية العمل.

 هذا المكتب يضمّ العشرات والعشرات من أبناء الحركة يعملون ليلا نهارا وبلغت جهودهم الذروة يوم الانتخاب حيث كان هذا المكتب يتصل بأية نقطة في الجمهورية للاطلاع على نسبة التصويت ومن صوّت ومن لم يصوّت بعد. هذا المكتب الاتصالي سرّ آخر من أسرار نجاح الحركة في الانتخابات البلدية إضافة إلى مكتب وضع السياسات والاستراتيجيات الذي ينشط في إيجاد أفكار وصيغ جديدة لإدارة الموعد الانتخابي بذكاء ومهنية وربّما فكرة الويفي wifi وسوق من المنتج إلى المستهلك من بنات أفكار مكتب وضع السياسات والاستراتيجيات الحركة.

 مع تضافر كل هذه الشروط والمعايير والمقاييس والأسباب تدخّل النظام الانتخابي المعتمد المتمثل في التصويت على القائمات واعتماد ألية البواقي في تعكير الأمر على بقية الأحزاب رغم أن هذا النظام وضع خصيصا سنة 2011 لمنع تغوّل حزب حركة النهضة فكان أن تمّت قولبته بذكاء لصالح الحزب في انتخابات 2018، لأن الحزب يحافظ على سقف معين منذ البداية يؤهّله لتصدّر المشهد في حين أن باقي القوى الحزبية سقوفها متغيّرة، حسب الوضع العام للبلد، ووفقا أيضا لمزاج الناخب، فضلا عن انقسامها المحيّر في السنوات الأخيرة. حيث سبق أن أشرنا إلى أن هذا النظام الانتخابي معيب وقاصر ويحرم الناخب من حرية أكبر في انتخاب من يراه صالحا لخدمته بل أكثر من ذلك أن هذا النظام سيرحّل أساسا مشاكل المركز إلى الجهات حيث لن يبقى مبدئيا استقطاب إيديولوجي على مستوى الدولة المركزية ولكن سنجده إضافة إلى المشاحنات والصراعات داخل أروقة وقاعات المجالس البلدية.

وكان من الأحرى والأجدى اعتماد نظام الاقتراع على الأشخاص نظرا لمعرفة الناخب لشخص المترشح وأيضا إمكان اختياره وجمعه بين قوائم مختلفة، ما يخلق تجانسا أكبر في التوليفة المنتخبة.

 هل لباقي الأحزاب مثل هذه المقوّمات لبلوغ النجاح ولو النسبي؟ طبعا لا وألف لا، بل المراهنة على الاستقطاب الأيديولوجي قد أثبت مرة اخرى فشلا ذريعا، وكان من الأجدى أن يسعى هؤلاء إلى بناء هيكلي واضح ومتكامل لأحزابهم .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها