قرار التقسيم وخدعة التزوير

لم يكن بالإمكان الحصول على النصاب القانوني للمصادقة على قرار التقسيم رغم خلو هيئة الأمم من كثيرا من الدول العربية والأفريقية، التي كانت ترزح تحت الاستعمار.

أنهت بريطانيا انتدابها لفلسطين بعد أن مكنت للكيان الصهيوني أرضا وشعبا وتسليحا، ولم يعد هذا الكيان بحاجة إلى بريطانيا في ظل صعود نجم الولايات المتحدة، وتشكلت اللجنة “الأنغلو أمريكية” وسمحت بهجرة 100 ألف صهيوني دفعة واحدة مناقضة الكتاب الأبيض، ونفذ الكيان الصهيوني وعده بمحاربة الكتاب الأبيض الذي وضعته بريطانيا وحد من حملات الهجرة اليهودية وأزعج هذا الكيان.

وقال بن غوريون مقولته المشهورة “سنحارب مع بريطانيا في الحرب العالمية الثانية كما لم يكن هناك كتاب أبيض، وسنحارب الكتاب الأبيض كما لم تكن هناك حرب”.

وقامت هذه اللجنة بإدراج ملف القضية الفلسطينية في أدراج الأمم المتحدة لأول مرة، تمهيدا لقرار التقسيم الذي هدفت له أمريكا منذ أن انتقل الكيان الصهيوني إلى أحضان الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

 ولم يكن بالإمكان الحصول على النصاب القانوني للمصادقة على قرار التقسيم رغم خلو هيئة الأمم من كثيرا من الدول العربية والأفريقية، التي كانت ترضخ تحت الاستعمار. وكان النقاش حول صلاحية الأمم المتحدة في اتخاذ مثل هذا القرار لدولة مازالت تحت الانتداب، ولم يؤخذ فيه رأي الشعب، ورفع الأمر نحو محكمة العدل الدولية لتقرر في صلاحيات الأمم المتحدة في المصادقة على قرار التقسيم، لكن الجمعية العامة رفضت  قرار المحكمة بأغلبية 25 صوت مقابل 18 وامتناع 11 وبالمقابل صادق على قرار صلاحية الأمم المتحدة بالتوصية بتطبيق قرار التقسيم من دون الحاجة إلى موافقة أكثرية الشعب الفلسطيني.

وكان القرار يحتاج إلى موافقة الثلثين، وعجزت أمريكا عن جمع الأصوات الكافية في الجلسة المقررة في تاريخها الأول، حتى اضطرت  إلى تأجيل الجلسة من طرف رئيس الهيئة المندوب البرازيلي حينذاك بأسبوعين، ولعبت أمريكا لعبتها القذرة وقامت بشراء أصوات الدول الفقيرة، من خلال رشاوي من الماس ومعاطف الفرو الثمينة قدمت لزوجات ممثلي أمريكا اللاتينية، ووعدت حكومة هايتي بالمساعدة الاقتصادية واشترى رجل الأعمال الامريكي روبرت ناثان صوت غواتيمالا وتعرضت الفلبين لضغوط شديدة، وحازت بذلك قرار التقسيم على الثلثين من الأصوات وأنهت بريطانيا انتدابها لفلسطين، بعد أن رسمت جريمة القرن في غرس هذا الكيان، وانتقلت القضية الفلسطينية من الانتداب إلى الاحتلال المرسم والقانوني بالتزوير والخداع.

وهكذا بات التزوير والخداع سنة في التمكين للاستعمار الحديث والقديم، وسبيل للتدخل الأجنبي، وملجأ للبقاء في الحكم وحكم الشعوب بالقهر، ولن تتحرر فلسطين حتى تتحرر الشعوب وتعبر عن رأيها وتختار حكامها من دون تزوير ولا خداع .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها