فِـي زَمَـنِ التِّـيه

مبادرات تُعلنُ وجبهاتٌ وكياناتٌ تُشكّل، دون تقديم أي شئ ملموس على أرض الواقع، كلُ ذلك مجتمعًا، جعلَ الكثير من رافضي الانقلاب لا يثقون في مثل تلك الأمور.

مرت منذُ أيام الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث، انقلابٌ أعاد مصر إلى الوراء عقودا طويلة ، فلا حياة سياسية منذ ٣ يوليو/تموز ٢٠١٣، وأصبح العسكر ومجلسه وشؤونه المعنوية يتحكم في كافة الأمور في البلاد.

كما لحق الانهيار الاقتصادي بسلفه السياسي، وأصبحت مصر في مصاف الدول المنهارة اقتصاديا، وقارب الدين الداخلي والخارجي نحو ٤ تريليونات جنيه في ظل قرارات اقتصادية فاشلة والإعلان عن مشاريع وهمية – لم تنفذ – بل بعضها أهدر المليارات، مثلما حدث في مشروع تفريعة قناة السويس الذي خُصص له قرابة 8 مليارات دولار، وفق تقارير صحفية، ومنذ إنشائها وحدث انخفاض في دخل القناة والسفن المارة بها، حسب تصريحات رئيس هيئة قناة السويس الفريق أول مهاب مميش، ليس هذا فحسب، بل أكثر من ذلك خرابًا أحدثه الانقلاب العسكري، فضلًا عن الانهيار التعليمي والأخلاقي والتفكك المجتمعي الناتج عن هذا الانقلاب.

كما مرت ٤ سنوات على بيان الانقلاب العسكري، فإنها قد مرت كذلك على مذابحه وجرائمه بحق رافضيه، تلك المذابح التي راح ضحيتها آلافُ الشهداء، وزُجَّ بعشرات الآلاف من الشرفاء في السجون والمعتقلات، وهُجِّرَ وطُرد مئاتُ الآلاف من خيرةِ أبناء الوطن لا لجُرم اقترفوه سوى رفض الانقلاب على أول تجربة ديمقراطية شهدتها البلاد.

هذا هو جانبٌ واحد من المشهد في مصر – ما بعد الانقلاب العسكري – لكن الصورة لم تكتملْ بعدُ، فهناك بالجانب الآخر رافضو الحكم العسكري، أولـئك الذين أضحوا بين شهيد ومعتقل ومُطارد ومُهجر، يقفون حيارى بين عدة كيانات وجمعيات وتشكيلات ولجان ومكاتب – شُكلت منذ 3 يوليو إلى وقتنا الحالي – اجتهد بعض منتسبيها لوضع رؤية لإسقاط هذا الانقلاب واستعادة الشرعية والقصاص لدماء الشهداء، فخرج “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب” من قلب ميدان رابعة العدوية وتولى مسؤولية إدارة المرحلة والتنسيق بين الجهود وإدارة الحراك الثوري المستمر حتى الآن رغم ما تعرض له من انتهاكات وقتل ووأد من قبل العسكر، إلى أن وصل به الحال الآن إلى صفحة إلكترونية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” وبيان دوري ثابت، باسم جمعة أسبوعية للحراك.

كما تشكلت عدة جهات وهيئات تحت اسم “ضد الانقلاب” فنجد كيانًا طلابيًا تحت اسم “طلاب ضد الانقلاب”، وآخر شبابيَا تحت اسم “شباب ضد الانقلاب”، ومعلمون ضد الانقلاب، ومحامون ضد الانقلاب وهلمّ جرَّا، أين كلُ هذه الكيانات الآن؟، لا أُقلل أبدًا مما قدموه، ولكنْ ماذا استفادت الثورة من ظهور كيانات ثم اختفائها، دون تقديم أي شيء يُذكر!

ومع الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري، ما زالت هناك كياناتٌ موجودةٌ خارجَ مصر، تحاول السعي والعمل في ذلك المناخ المظلم، مثل المجلس الثوري المصري، والبرلمان المصري، ويأملُ كثيرون من معارضي العسكر، أن يرَوْا نتاجَ هذا السعي، قبل أن تخرج عليهم كياناتٌ أخرى ومبادراتٌ ذاتُ بريقٍ – سرعان يخفُتُ، بل يتلاشى.

الجبهة الوطنية المصرية، كيانٌ أعلن عنه في ذكرى الانقلاب، وجاء بعد مبادرات كثيرة خرجت سابقًا، مثل وثيقة واشنطن، ونداء وطن وغيرها من المبادرات الشخصية، ويسعى مؤسسو الجمعية – بحسب ما أعلنوا – إلى تقديم رؤية لإسقاط هذا الانقلاب، والقصاص لدماء الشهداء، وتدويل القضية وكسب تعاطف دولي مع المعتقلين – وفقًا لما أعلنه أحدُ أعضاء مكتبها السياسي في لقاء تلفزيوني –، إلا أن إعلانَ تأسيسها صاحبَه موجهة عارمة من الرفض بين مؤيدي عودة الشرعية، لكون البيانِ التأسيسي لهذه الجبهة لم يتضمن عودة الشرعية أو الإشارة إلى الرئيس محمد مرسي، الصامد في سجون الانقلاب منذ أكثر من 4 سنوات.

مبادرات تُعلنُ وجبهاتٌ وكياناتٌ تُشكل، دون تقديم أي شئ ملموس على أرض الواقع، كلُ ذلك  جعلَ الكثير من رافضي الانقلاب لا يثقون في مثل تلك الأمور، معلقين آمالَهم في تدخلٍ إلهي، ينقذ البلادَ من الطغمة التي أحلّت بها، مرددين بلسان حالِهــم قول الله تعالى .. “وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا”.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها