فدوى حلمي تكتب : جدلية الإرهاب والمؤامرة

لقد شهدت جريمة اغتيال الرئيس الأمريكي “جون كينيدي” ونتائج لجنة “وارن” المُكلّفة بالتحقيق أنشط موجة تشكيكات بالرواية الرسميّة والاعتقاد بوجود عملية مُدبّرة. يتبع

  فدوى حلمي / مدونة فلسطينية

في شهر نيسان / إبريل لعام 1967  قامت الوكالة المركزية للمخابرات الأمريكية بصياغة نشرة خاصّة بأساليب التشكيك في (نظريات المؤامرة) صُنّفت هذه النشرة تحت باب العمليات النفسيّة.

وأنّ الهدف من وراء صياغتها هو توفير مواد لمكافحة مزاعم نظريات المؤامرة ولمنع تداولها في بلدان أخرى .

وضمان الالتزام بالرواية الرسميّة، و مِن بعض ما أوصت به النشرة التي تحمل رقم الوثيقة  1035-960 لمحاربة القائلين بالمؤامرة، ضرورة الترويج عبر السياسيين والمحرّرين و وسائل الإعلام،  إلى أنّ أيّ حديث حول مؤامرة هو مجرد تخمينات غير مسؤولة إذْ مِن ضرب المستحيل بقاء المؤامرات طي الكتمان .

وألا تنفضح من خلال المُطّلعين عليها أو من قبل شهود عيان، كما حرّضت النشرة على اتهام المتحدّين للرواية الرسميّة بالارتباط العاطفي الزائد بنظرياتهم ممّا يعطّل حكمهم العقليّ، بالإضافة إلى الربط بينهم وبين أجندات سياسية مُعارضة تحرّك نظرياتهم حول المؤامرة، وأنّ هذه التحركات مدفوعة الثمن.

بهذه الطريقة تمّ الخلط بين التساؤلات المنطقية حول الحقيقة وبين تصنيفها بما يُسمّى لدى البعض بـــ (هرطقات نظرية المؤامرة) للتحكّم بإدراك الأفراد لمعنى الحقيقة.

بهذه الطريقة تمّ الخلط بين التساؤلات المنطقية حول الحقيقة وبين تصنيفها بما يُسمّى لدى البعض بـــ (هرطقات نظرية المؤامرة) للتحكّم بإدراك الأفراد لمعنى الحقيقة

 لكنّ هذا الأمر تطلّب إعدادا مُسبقا لقوة دعائية فعّالة تضخّ في الأذهان بتعريفات ومواصفات الحقيقة التي يجب على الشعوب التّصديق بها لتوجيه سلوكياتهم وردود أفعالهم تجاه الأحداث المهمّة التي تجري من حولهم، فأطلقت وكالة المخابرات الأمريكية عملية (الطائر المحاكي) السريّة للتأثير في وسائل الإعلام الأمريكية وخلقت أذرعاً سلطوية لها داخل مختلف أنواع المؤسسات الإعلامية لتمرير الروايات والسيناريوهات التي على الفرد التسليم بها كحقائق مُطلقة.

وكنتيجة لما سبق أصبح كل مَنْ يُشكّك في الرواية الرسميّة بتساؤلات عقلانية وإنْ امتلك الدليل الماديّ مُتهماً بالهوس أو جنون الارتياب وبهذا تُنسف طروحات التشكيك بمجرد نعتها بنظرية المؤامرة وتُغلق قنوات الاستقبال لدى المتلقي، وتكتسب علامات الاستفهام خارج الرواية الرسميّة الانطباع السلبي مجتمعياً.

لقد شهدت جريمة اغتيال الرئيس الأمريكي “جون كينيدي” ونتائج لجنة “وارن” المُكلّفة بالتحقيق في الجريمة أنشط موجة تشكيكات بالرواية الرسميّة والاعتقاد بوجود عملية داخلية مُدبّرة وراء الاغتيال، تكرّر هذا النشاط على مستوى أعمق وبمدى أوسع عقب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر لعام 2001، ففي ما يزيد عن عشرين كتاباً لمؤلفين غربيين سياسيين وعسكريين وصحفيين وعلماء اجتماع أجمعوا على وجود مؤامرة حيكت بتخطيط داخليّ لتنفيذ تلك الهجمات

أبرز هذه الكتب والذي أثار ضجة واسعة مؤخراً ويخوض المنافسة على قائمة الكتب الألف الأكثر مبيعاً في جميع أنحاء العالم، كتاب (الوهم المنهجي) للكاتبة “ريبيكا روث”، وعلى الصعيد الأكاديمي قام خمسة وسبعون عالماً من مختلف الجامعات العالمية الشهيرة بتأسيس منظمة حملت اسم (علماء لأجل حقيقة 11/9)، ولحق بتلك التجربة ألفان ومئتا مهندس ومعماريًّ أمريكيً أنشأوا منظمة (مهندسون لأجل حقيقة 11/9) التي تستند على أدلة علمية هندسية تدحض سقوط الأبراج من غير زرع متفجرات داخلية ذات دقّة عالية في الكمّ والتوقيت.

وأمّا عن عدد الأفلام الوثائقية الأجنبية التي طرحت أو أثبتت أنّ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول هي عملية داخليّة فهناك قرابة الستين فيلماً وثائقياً تناول ذلك، ومن أبرزها فيلم (صفر: التحقيق في 11/9)

وأمّا عن عدد الأفلام الوثائقية الأجنبية التي طرحت أو أثبتت أنّ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول هي عملية داخليّة فهناك قرابة الستين فيلماً وثائقياً تناول ذلك، ومن أبرزها فيلم (صفر: التحقيق في 11/9) والذي يصدم المُشاهد في الدقيقة الأولى من الفيلم بأنّك لو طالعت صفحة اتهام أسامة بن لادن في الموقع الالكتروني لمكتب التحقيق الفيدرالي ستجد أنّه متهم فقط بتفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية العام 1998في كل مِنْ تنزانيا و كينيا.

وعندما راجع الصحفيون المكتب بسؤالهم لماذا لم تدرجوا هجمات 11/9 في لائحة الاتهام فكانت إجابة مكتب التحقيق الفدرالي لأنّنا لا نملك الأدلة! وبحسب استطلاع للرأيّ أُجري في عام 2006 من قبل جامعة “أوهايو” البحثية الأمريكية فإنّ أكثر من ثلث الأمريكيين يشتبهون بضلوع داخليّ في هجمات 11/9 وأنّ الإدارة الأمريكية كانت على علم بذلك ولم تتخذ أيّ إجراء لتتمكن من شنّ الحرب في الشرق الأوسط.

منذ تلك الهجمات وهناك تطوّر في المستوى الاستقصائي للحركة النقديّة الفكريّة المتعلقة بالتوصيف المُعاصر للنشاط الإرهابيّ المصبوغ بالأسلمة، والفارق الملحوظ بين عامي 2001 و2015 يتمثّل في ازدياد الجهود الفردية والجماعية للوصول إلى المعلومة خارج الرواية الرسميّة، وهذا ما اعترفت به “هيلاري كلينتون” في جلسة مساءلة أمام الكونغرس الأمريكي لعام 2011بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية تخوض حرب معلومات تخسر فيها.

 وبرّرت ذلك بوجود قنوات إعلامية قوية منها قناة الجزيرة بالإضافة إلى مصادر الإعلام الجديد ليستقي النّاس منها معلوماتهم تتراجع أمامها القنوات الإعلامية الأمريكية الخاصّة وقناة BBC.

هذه الحقيقة نسفت نمطية القبول العام بالرواية الرسميّة من العم سام في واشنطن، وأفسحت الحيز لاتساع مساحة الخطاب العقلي لتبرئة الإسلام والمسلمين من تهمة الإرهاب وردّه إلى صنّاعه الأصليين، فمجمل النّقد العقليّ الموجّه للروايات الغربية الرسميّة المتعلقة بالعمليات الإرهابية .

إمّا أنْ يربط التنظيمات الإرهابية بتخطيط داخليّ مشترك أو أنْ يربط العمليات الإرهابيّة بتمرير داخليّ أحاديّ الجانب، ممّا يُخمد الهالة المزيفة حول تلك التنظيمات المضخّم لإمكاناتها بالطّرح الدعائي المنافي للواقع، كما يطمس الصورة النقيّة للتنظيمات الإرهابية بأنّها ليست بمخترقة أو تعمل في رحى مطاحن خارجية.

و بصرف النظر عن اعتبار متلازمة المؤامرة والإرهاب حقيقة أو أسطورة إلا أنّ الثابت تنامي التوجّهات الرافضة للاعتقاد بالإرهاب كحالة منفصلة عن مجريات صناعة الواقع السياسيّ أو فرض النفوذ العسكريّ في الشرق الأوسط، ولئن كان الفكر المناهض لأي ربط بين الإرهاب والمؤامرة يبني تصوراته على ضرورة عدم الاتقاء بنظرية المؤامرة للهروب من الواقع الفعليّ باعتبارنا أدوات منزوعة الخيار والإرادة فإنّ المسار الذي يمكن من خلاله التحكّم بحجم الهوّة بين الوهم المُختلق و بين الحقيقة قد يكمن في تجاوز الركون الذهني المُذعِن بلا مقاومة إلى تفعيل اليقظة بمقتضيات واقع توظيف الإرهاب أو استثماره لمصالح قوى مختلفة سواء أردنا تسمية ذلك بنظرية مؤامرة أو أطلقنا عليه أيّ اسم آخر.

 فدوى حلمي 

باحثة وكاتبة فلسطينية

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها