فاطمة المهدي تكتب: المغامرة الأولى من قيس وعبلة

تبدأ الكاتبة فاطمة المهدي بتدوين مجموعة من الحلقات تحمل عنوان “قيس وعبلة” تتناول طبيعة العلاقات الزوجية في قالب غير تقليدي واليوم ننشر الحلقة الأولى. يتبع.

 الخبيرة الاجتماعية فاطمة المهدي

نظرت عبلة إلى ساعة الحائط فوجدتها قد تعدت الخامسة والنصف أتاها صوت الهاتف مناديا إياها وقاطعا آمالها فى مزيد من الوقت.

-أيوة يا قيس .. حاضر .. حالا هيكون جاهز يا حبى .. قالتها وهى تضغط على أسنانها غيظا
ثم أغلقت الهاتف فى توتر وقلق ..
توجهت مرة أخرى إلى المطبخ وعقلها يتساءل عما ستقوم بإعداده على الغذاء .. فقد استيقظت منذ الصباح الباكر لتنهي أعمال المنزل من تنظيف وغسل ومسح وكى ..
ما بين غرف أطفالها الثلاث و المطبخ .. ما بين لعبهم وملابسهم .. ما بين جواربهم الملقاة هنا وهناك، وبين أحذيتهم التي تفوح بأذكى الروائح .. مابين دورة المياه وغسيل عالق فوق المغسلة .. منشفة ملقاة على السرير وقد تبللت بمياه الاستحمام .. أطباق بها بقايا طعام وأكواب قد بقى فى نهايتها بعض عصير قد جف .. جوارب ذات رائحة نفاذة تحت كل سرير .. فردة جورب تتدلى من مروحة السقف تبحث عن شريكتها .. كتب وأدوات مدرسية تزين أرض الغرفه .. أقلام ألوان منزوعة الغطاء مبدورة فوق الأرض .. ظلت تعاني جاهدة فى إزالة كل شئ فى رحلة البحث عن السجادة التى كانت تغطى الأرض حتى تمت المهمه بنجاح.

وما إن أنهت غرفهم حتى دخلت إلى غرفتها هى وزوجها .. وكانت الصدمة اليومية المعتاده .. شواحن للهاتف .. أقلام .. حزامان متعانقان .. ملابسه ممددة فى عشوائية فوق السرير .. باب خزانة ملابسه الذى لا يغلق .. جواربه التى تطل من الأدراج؛ وكأنها تخرج لها لسانها لتزيدها غيظا .. زجاجات عطره التى لا يغطيها كالعادة، ولا حتى يعيدها إلى مكانها فتظل مبعثرة وكأنه يتفاخر بها .. أحذيته التى لا يضعها في مكانها وييرصها فقط بجوار خزانة الملابس؛ وكأنه يتصور أنه هكذا يساعدها .. ظلت تعمل على عجل حتى أنهتها تنقلت بين الغرف واطمأنت أن كل شئ على ما يرام، ولم يتبق سوى ذلك العملاق الذى لا يقهر .. ذاك الذى لا ينتهى أبدا .. حتى ظنت أنها ستقضى فيه بقية حياتها ثم تحمل على الأعناق منه رأسا إلى مثواها الأخير؛ لكنها أصرت على قهره هذه المرة .. بدأت فى العمل وقد تلفحت بمنديل على رأسها  واضعة سماعات الأذن على أغنية “الحلوة دى قامت تعجن فى البدرية” .. محادثة نفسها:  استعنا ع الشقى بالله..غسلت جميع الصحون .. قامت بتنظيف الثلاجة من الداخل والخارج، ثم دخلت فى حرب ضروس مع الموقد (اللى هو البوتاجاز يعنى) لمعت الأرفف .. جميع الأبواب الخشبية .. لم يتبق سوى الأرضية .. أحضرت دلوا ووضعت به قليلا من الماء كثيرا من المطهر والصابون. وما أن بدأت في مسح الأرض حتى حدث ما لم يكن فى الحسبان .. طراااخ .. ااااه

أتى أبناؤها على صوت صراخها:
-ماما..فيه إيه
نظرت اليهم فى بؤس مرددة:
– بالعب باليه
ساعدوها على القيام ..
-ارتاحى بقى يا ماما وكفايه كده
-ارتاح إيه بس يا ولاد بابا زمانه جاى
سألتها ليلى:
-طب عاوزة مساعدة؟
-والنبى تتلهي
صارعت من أجل الوقوف .. وضعت الطعام على الموقد (اللى هو البوتاجاز برضه) ثم أكملت مهمتها فى تنظيف وتلميع البقية الباقية من العملاق .. وأخيرا نجحت فى إنهاء الصراع والتغلب عليه .. مرددة فى لهجة المنتصر:
يسسسسس (نعم) ..أى ديد إت.. لكن صوت صغيرها “شيبوب” قد وأد فرحتها فى مهدها عندما صرخ فى وجهها :
-ماما أنا جعاان
-طب هعملك سندوتش جبنة
-لا أنا عاوذ بطاطس محمرة
لا .. كله إلا التحمير .. ليلى .. اعملي لأخوكي سندوتش جبنه .. متقلقش يا حبيبي هتحطلك عليه كاتشب ..
هدأ شيبوب قليلا .. قررت أن تنظف ما علق بها من مخلفات الكوكب وتنعم بحمام دافئ .. قبل أن يتقدم جيران الحى بشكواها إلى زوجها  بسبب رائحتها العطرة .. أنهت حمامها وهى تطير من السعادة أغلقت لتوها الصنبور ثم تنبهت على صرخة قوية وصوت تحطيم زجاج لا تخطئه أذناها .. وضعت ملابسها سريعا .. هرعت مسرعة إلى مصدر الصوت ومياه الاستحمام تتساقط من جسدها المنهك على الأرض التى قامت بتلميعها للتو ..
-فيه ايه يا…..
لم تستطع أن تكمل جملتها .. إبتلعت حرفها وغاص قلبها بين قدميها حيث رأت عيناها آخر شئ توقعت أن تراه هذه الليله .. أرضية المطبخ ملطخة باللون الأحمر القانى .. الحائط والثلاجة .. بعض الأرفف قد زارها نفس اللون .. قطع الزجاج تتناثر هنا وهناك .. وأولادها يققون مذهولون صامتون من هول المفاجأه .. ثم نطق الصغير..
-والله العظيم يا ماما هى اللى أخدت منى الإذاذه (الزجاجة)
تدخل “عنترة”:
-لا أنا هقولك ع اللى حصل يا ماما
قاطعته “ليلى”  فى حدة:
-وأنت مالك أنت.. ايش (من الذي) حشرك أصلا
-لا هتحشر  بقى .. مش أنت عاوزنى أتدخل يا شيبو
-أه عاوزك تتدخل
باااس (سكوت) .. كفاية .. ارحمووونى بقى وأوشكت على ضربهم جميعا .. كبيرا وصغيرا .. لكن صوت الباب كان أسرع..
حيث وجدت قيس أمامها.
-سلام عليكم يا ولاد.. إيه ده مالك يا عبلة .. لم تستطع أن تنطق بنصف كلمة نظر إلى شعرها الذى كان قد تحول إلى أسلاك كهربائية طائرة .. نظر إلى ملابسها المزرية، ونقاط المياه التى تتساقط منها، ورفع حاجبيه قائلا:
مال منظرك عامل كده؟ لم ينتظر ليستمع إلى إجابتها .. تقدم بضع خطوات فى هدوء ناحية الموقد ليتفحص الأوعية الجاثمة فوقه سائلا إياها:-
إيه ده هو الأكل لسه مخلصش .. ممكن أعرف أنت بتعملى إيه طوال اليوم ؟
لم يتذكر “قيس” ماحدث بعدما أفاق من غيبوبته بالمشفى سوى أن شيئا ثقيلا جثم على رأسه فأرداه أرضا .
وتوته توته لسه مخلصتش الحدوته .. نشوفكوا في مغامره جديدة من “مغامرات قيس وعبلة” . تصبحوا على حب.

فاطمة المهدي

خبيرة اجتماعية وكاتبة مصرية  

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها