غياب مظلم

ظل صحنه وملعقته حاضرين على المائدة لسنوات، ولو كان مكانه شاغرا على الطاولة، مذ غاب فجأة، ولم تسطع أن تحكم إغلاق باب الدار لعله يرجع على حين غفلة منها -وإن كان تفكيرها فيه يغلب كل غفلة.

كانت تحرص على فعل ذلك -هي لم تستوعب كيف ابتلع الدرب رفيقها على حين غرة- لأنها تحرص على إقناع فلذات أكبدها وتقنع نفسها قبلهم أنه عائد لا محالة، وأن عذرا ثقيلا أودى به في جب الغياب لكن شدة حبه لهم وحجم خوفه عليهم سيدفعه لمغادرة الجب نحو نور لقائهم. وإنه لو ملك ذلك لفعل، ولما خذل إيمانها وثقتها، لكنه قطعا ما ملك!

تروي الحكاية التي مضى عليها نحو عقدين وقد خط الزمن من الشجن ما يكفي على صفحة وجهها حتى يعلم من يصافحها أنها مرآة لأعماقها أين تركد مرارة الفقد والحيرة والحزن والضيم.. “الاختفاء القسري” شكل من أشكال الجرائم الذي ارتكبته دولة الطغيان بحق من اشتبه فيهم أنهم ينتمون لتيار فكري لا ينال مباركتها فهي لا ترضى عمن يفكر فيسمع صوته منشزا عن سنفونية حاكم وجل من ضياع عرشه.

ربما يكون استقبال الجثمان عرسا! تقول إنها تحلم بأن تحمل حفنة من التراب التي تفتت فيه جسده، لعل لهيب انتظارها ينطفئ.

الانتظار يأكل من الروح، ينهشها بمخلب الحيرة. الانتظار جرح لا يتوقف نزفه، يسلب مذاق الحياة من الروح. الانتظار لحن يغرق في الحزن لا يكف عن التكرار. الانتظار إبحار في محيط غامض. الانتظار أن تطل من الشباك صباحا مساء والأمل واليأس في حال صراع حام فيكاد قلبك أن يغادر صدرك وأنت ترى الأمل يتعثر ويتساقط. الانتظار سفينة في بحر أهوج تجعل المرء يرجو الضفة ولو كانت نائية على الديار التي بها تعلق وإليها شد رحال الأمنيات.

الانتظار مرهق حتى أن المرء قد يبتغي الوصول ولو لأسوء التوقعات حتى تهدأ روحه وتحط على أرض صلبة.

لكن الظالم يستكثر في ضحاياه ولو هدوءً مؤلما، ينهش أعمارهم حيرة ووجعا لا يطبب! فالظالم لا يعرف إلا الظلام؛ يرسل ظلامه على القلوب والعقول.

لكن للنور عشاقا لا ييأسون؛ قد يبدأ المشوار بكوة في الجدار غير أن الرحلة لا تتوقف! 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها