“عيد الأضحى” بلاء الحب

دعا سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه بأن يهبه ابنا من الصالحين؛ فاستجاب الله له بغلام حليم هو سيدنا إسماعيل عليه السلام “فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك”.

فمرات نطلب من الله شيئا يحبه ونحبه ثم يريد أن يأخذه منا لحكمة يعرفها هو، فامتثل سيدنا إبراهيم للرؤيا وتوجه لابنه الصالح، ولو كان الابن عاصيا لكان البلاء سهلا عليه، فيذبحه، ويتخلص من شره، ولكن الابن هنا ابن صالح فمن غير المعقول أن يذبح ابنا صالحا، ومع هذا لم يراجع ربه، إنه التجرد والتسليم لأمر الله.

ترك لابنه الخيار دون قيود أو ضغوط فقال له “فانظر ماذا ترى” فالتضحية تكون طوعا لا كرها ومسألة شخصية، وإن كانت بالإكراه فلا أجر فيها “ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه”، وبعده كان الرد الحليم من الابن الحليم قال: “يا أبتي افعل ما تؤمر”، فربط الأمر بالله سبحانه وتعالى مباشرة، وكأن سيدنا إبراهيم لا صلة له بالموضوع، وأصبح يتعامل مع الله بالانقياد والتسليم.

لم يتلكأ ولم يتحجج أنه صالح وأنه لم يفعل شيئا وهذا كمال التجرد، التجرد من النفس لله وأقصى غايات الجود هو الجود بالنفس، وكان يعلم أن الأمر صعب لأنه سيعيش مرحلة الذبح ليس ذبح فجأة أو مرضٍ فقال: “ستجدني إن شاء الله من الصابرين”، ونسب مباشرة الصبر لله لأنه لا مشيئة له بالصبر إلا بالله.

بعدها جاء موقف الحسم موقف الميدان، لأن ميدان القول غير ميدان العمل، وكان بمقدور الله أن يمنح النجاح في الامتحان بمجرد قول سيدنا إبراهيم لابنه بأنه سيذبحه، وقول سيدنا إسماعيل بأن يفعل ما يؤمر لكن الكلام سهل، والتطبيق شاق على النفس، ولربما يتردد أحدهما أثناء التطبيق؛ فما أيسر الكلام عند كثيرين منا وما أسهل التطبيق.

“فلما أسلما وتله للجبين”، فظهر صدقهما وتسليمهما وتجردهما لله قولا وعملا؛ إذ وضع سيدنا إبراهيم ابنه إسماعيل على جنبه وشرع في الذبح فجاءه النداء الرباني “فناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا” أي نجحت في الامتحان وكنت صادقا في تجردك مما تحبه لأجل الله.

وكفاه الله من الذبح الحقيقي، لأن الله ليس غرضه ذبح ابنه باليد وإنما يذبحه من قلبه، ويبقى حبه لله، وأن الله ليس غرضه عندما يبتلينا أن يعذبنا لقوله “ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم”، وقوله “إلا من رحم، ولذلك خلقهم”.

بطبيعة الحال لكل ناجح في الامتحان لابد أن يكرم، فكان التكريم الرباني أن جعله من المحسنين، وهي درجة أعلى من الإيمان “وكذلك نجزي المحسنين” أو كما قال صاحب الظلال، رفعه إلى درجة الوفاء، وجاء لفظ التكريم على شكل تكرار أي أن كل مؤمن يقتدي بسيدنا إبراهيم في التجرد، والصدق والتسليم سيكون له رفعة وجزاء الإحسان، فإن البلاء هنا في أمر حلال.

وكلما ارتفع المؤمن درجة كان البلاء أشد؛ فأصفياء الله يبتليهم في الحلال والمباحات، وعامة المسلمين يبتليهم بين الحلال والحرام، وإن نجحوا رفعهم إلى درجة الايمان، ولم يقتصر التكريم على التكريم الأخروي فقط، بل التكريم الدنيوي، وأبقى له ابنه الصالح، “ففديناه بذبح عظيم”.

لأجل هذا نحن نستن بسنة الذبح إلى يوم الدين، وهذا العيد كان عيدا لسيدنا إبراهيم؛ فنفرح بفرح سيدنا إبراهيم بنجاحه في الامتحان كل عام، فعلينا أن ندعو ونقول في يوم عرفة ويوم العيد اللهم لا تجعل في قلوبنا مكانا خاليا لسواك واملأه بهداك.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها