عندما تجوع رفح

مع إغلاق باب التهريب وتقليل الكميات أصبحت رفح الثرية صاحبة الوفرة أقرب إلى حال المجاعة، فلا غرابة أن تسمع قصة أن يدخر الرجل خبزه بنشرها في الشمس ثم يعيد تقسيمها على الأسبوع.

رفح أصغر مراكز شمال سيناء مساحة على الإطلاق، وأجودها أرضا وأكثرها ثراء على الإطلاق، لكنها أيضا لها جغرافية خاصة بها وضعتها إلى جوار غزة.

نشطت في رفح تجارة الأنفاق مع غزة، مع نشاط زراعي مكثف وحالة استثمار واستزراع مكثف في كل محيط رفح جعلها أكثر ثروة من كل مراكز شمال سيناء، كما أنها إلى جوار فلسطين.

وفي ظل النشاط المكثف في ملف التفاوض السري بين الأنظمة العربية، والذي تم التوافق عليه ولم يعلن بعد وأن كان قد تم الإعلان عن العنوان الكبير له (صفقة القرن).

والمقصود أنها صفقة سياسية بين أطراف المنطقة هي الأضخم في هذا القرن، فاختار المتعاقدون في الصفقة السرية المشبوهة رفح وما حولها لكي يتم حل مشكلة الاحتلال الاسرائيلي على حسابها وحساب أهلها، فتم هدم جزء على أنه منطقة عازلة، وتمت إزالة قرى بأكملها على أنها مناطق صراع واستمر القصف في أجوائها نظاميا وعشوائيا لأربع سنوات كاملة.

ورغم كل هذه الماسي صمد الكثيرون من الأهالي!! فقدوا كل شيء لكنهم تمسكوا بالأرض لأسباب متعددة، فأضيف إلى القتل والقصف، الحصار!!

حصار لا يسمح فيه بدخول البضائع والأغذية الى كل محيط رفح إلا النذر  اليسير من خلال الجهات الرسمية والذي يستخدم كوسيلة للحصر والتعرف على الموجودين، أو من خلال تجار التهريب وهو ما يقدر بأثمان باهظة لا تتماشى مع حالة الناس أبدا.

واستمر الوضع يمشي بالكاد حتى جاءت العملية الغاشمة الشاملة وهي لها من اسمها حظ كبير فشملت في شمولها منع كل شيء يكفي أن يصبح استخدام السيارات محظورا، بل كل سيارة متحركة هي هدف مشروع فصارت وسائل الانتقال في رفح عبر “الكارو” الحمير، وصارت كلفة الانتقال أكثر عشر  مرات من الطبيعي أما نقل بضائع أو خلافه فأصبح أقرب إلى المستحيل.

ومع إغلاق باب التهريب وتقليل الكميات التي يتم توزيعها أصبحت رفح الثرية صاحبة الوفرة أقرب إلى حال المجاعة، فلا غرابة أن تسمع قصة أن يدخر الرجل خبزه بنشره  في الشمس ثم يعيد تقسيمه  على الأسبوع لكل فرد رغيف ينقع في الماء ليستطيع تناوله، أما طعامهم (فقد عادوا أيضا الى زمن التنقل بالحمير أيضا) حشائش الأرض من الخبيزة وما على شاكلتها، لا شيء أكثر من ذلك، وهو بالكاد يكفي ويتحسب الناس من دخول الصيف وجفاف الأرض وموت الحشائش.

هكذا وصل الحال برفح الزاهرة العامرة!! إنها محنة وشدة لا يعلمها إلا الله ويعجز الناس عن فهم إسهام ذلك في الحرب على الإرهاب، لسبب بسيط أنه إذا كان للمهربين طرق لتهريب السلاح فلن يعدموا طرق تهريب الطعام، لكن للحقيقة لا أحد من النظام ولا حتى مؤيديه يشغل نفسه بتفسير شيء، أما المواطن القابض على أرضه فهو حقا القابض على الجمر.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها