علاء الدين آل رشي يكتب: هل حقاً يتآمر الغرب علينا؟!

إن الآخر ليس سما صرفاً، كما أنه ليس عسلاً صافياً هذه نقطة ينبغي أن نحكمها في تصوراتنا، وهي تخفف من حدة مواقفنا وردة فعل الآخر تجاهنا أيضاً.. يتبع.

د. علاء الدين آل رشي

هذا ما كنت شاهداً  عليه طيلة عمري في البلاد العربية، قبل أن أساق قهراً إلى المنفى الأوربي، كنت رهن الشائعات، أو المؤامرات المعادية، لي ولديني، من قبل الغرب المتآمر علينا!!! هذا ما  تمت تربيتنا عليه!!!

لم ألتفت إلى واقع بلادنا كثيراً، لم أعتن بسر سيادة الإهمال العام، والعقد الاجتماعية ، والاحباطات النفسية، والذل الداخلي.

 وكنت كثيراً ما أشعر بالحنق، والكره  للغرب يسيطران على رؤيتي .

 فالنظام السياسي في بلادي علمني أن:  الإمبريالية الغربية والرأسمالية العالمية يريدان دمار بلادي وسرقة تراثي وأنني هدف مشروع !!!

 إن نظرية الاستهداف والتآمر علي لم تكن مدعومة فقط من الحكومة بل من القوميين والإسلاميين أيضاَ.

في هذا المحضن نشأت ونشأ الكثيرون من السوريين، لنجد أنفسنا بعد الثورة السورية  في حضن الغرب وفي منفاه.

ولأعاود السؤال من جديد هل حقاً يتآمر الغرب علينا؟!

ونتيجة الخوف المرضي القهري واستحضار الأفكار المعلبة والجاهزة على الغرب شعرت أن علي واجب التحديق والتفكير المتروي.

 فأنا أملك ما هو هدف مشروع من قبل الغرب، وعليّ الحيطة والاحتراز هكذا كنت متوهماً وتمضي ثلاثة سنوات بعد الثورة  وتتكشف الحقيقة أمامي !!!

لقد ضحك علينا الكبار ورمونا في متاهة التآمر ونسبوا إلى الغرب قدرات فائقة، جعلتنا نغلبها على تحمل المسؤولية وعلى صدق الوعد الإلهي إن صدقنا في العمل وأداء الواجب.

لم أعد مبهوراً بما يقوم البعض به من التقاط أحداث متفرقة وربطها بخيط واه من المكائد والمؤامرات!!

لم أعد التفت كثيرا إلى الخوارق التي ينعتون الغرب بها، وينسون العجز الذاتي لنا وعلو لهجة التبرير والتعليل والتهرب من الإنجاز!!!

لقد شعرت  بعد معاينة  واقع المهاجرين السوريين وغالب من سبقنا بعقود أننا أصحاب بلاغة عاجزة، وإرادة خائرة قادرة على إطلاق الشعارات الكبيرة، والقفز فوق الواقع وتجاهل تام للقدرات الحقيقية…

في الغالب نقل المهاجرون إلى الغرب من بلادهم وبكل قوة عللهم وتصوراتهم وتعايشوا معها بكل فخر !

فالتخوين والثرثرة وإبطال أي عمل جماعي وإطلاق الشائعات إلخ.

من أخلاق النظام الرسمي  والبلاد العربية يتداولها المنفيون  بحرص مع تبرير الأخطاء والشك بالآخر، و افتراض الخيانة في كل رأي مخالف.

والبعض انتقل من الإطباق المنغلق الى الإطلاق المحترق بلا أي ضابط!

 وبدلا من أن يتناول الحقائق المحورية لطبيعة البلاد الغربية ومفاتيح التقدم، ويعيش في أوربا مندمجاً غير منصهر، عاش متزمتاً أو متفلتاً بديلا عن  التفكير بمحركات المجتمعات الاوربية وقبول الأفكار الحداثية وتعلم ثقافة المجتمع المدني.

إن فقدان التوزان الفكري والاخلاقي عند المهاجرين وتلاشي المناعة الذاتية لديهم ليس وليد اللحظة بل سبب ذلك القصور المعرفي الذي تم تلقين الشعوب العربية به، وتغليب عقلية المفعول به على الفاعلية التي تسمح وبقدر كبير من إعفاء الذات والتبجيل لذهنية التشكي واللطم والمظلومية. هذه الثقافة مدفوعة الأجر بالدولار واليورو تعمل على تغذيتها دول وقنوات ومفكرون وإعلاميون!!!

نظرية المؤامرة: تتيح لنا التحدث عن مآثرنا وعن كنا وكانوا وتوصيف الآخر بأنه الشيطان الرجيم فهو ابن الصهيونية والماسونية والغرب المتواطئ، ولكنها أي نظرية المؤامرة لا تتيح لنا معرفة قدرنا وقامتنا الحالية واحتياجاتنا وسبل النهوض.

لا أحد يستهدفك، ولا أحد يعنى بما تحمله من دين، ولا من أفكار إلا بمقدار النفع العام والتزام القوانين، وبكل صراحة ليس لديك أي شيء يغري الغرب بك حتى الدين الإسلامي  الشعوب الغربية لا تعرف عنه شيئاَ سوى فتات إعلامي أو تصرفات يقوم بها البعض ممن لا يحسن تقديم الدين بشكل سليم.

نعم السياسات الغربية تفكر في مصالحها وهذا حق وليس في ذلك أي عيب.

 والذكي من يعمل مع الآخر ويحقق مصلحته هذا في جانب السياسة، ويصدق في جانب التعامل الأخلاقي أيضا.

إنني افترض طرح ثقافة مغايرة عن فكر المؤامرة، وثقافة تعتمد على التقوية الذاتية أو المناعة الذاتية بوابة للتحدي والفعالية  وخلاصاً من التشكي، والمفعولية.

إن الآخر ليس سما صرفاً، كما أنه ليس عسلاً صافياً. هذه نقطة ينبغي أن نحكمها في تصوراتنا، وهي تخفف من حدة مواقفنا وردة فعل الآخر تجاهنا أيضاً .

وفي جانب آخر علينا أن نعي أن الحياة مكابدة وميدان تنافس، وهذا يقتضي وجود صراع،  وطبع الحياة البشرية مبنية على التفوق وعلى التجاذب.

والذكي صاحب المناعة الذاتية، من وعى بنقاط ضعفه فقواها وأدرك نقاط ضعف خصمه فاستثمرها لصالحه.

 كما لا يخفى وجود تناقضات في المصالح بين أي كائنات موجودة في نفس الحيز الزماني والمكاني، والقوي صاحب المناعة الذاتية  من حدد ذلك كله وعمل على تقوية ذاته.

 وقديماً قيل:  “مهما كان الرجل القوي معصوب العينين وكان يقاتل خصما أصغر ولكنه مبصر، فإن  النتيجة محسومة مسبقا لصالح الثاني”.

لا يمكن أن يسمح أحد لأحد أن يتقدم عليه. هذا أمر فطري، ولكن علينا أن نفهم أن الفراغات التي نتركها سيسدها آخرون.

لابد من ذائقة فكرية وبينة نفسية لنقض نظرية المؤامرة من خلال تحديد العدو الحقيقي، ودراسة مكامن القوة دون مبالغات وتحديد ميادين المواجهة، ووضع الأهداف الرئيسية وخطوات التنفيذ وآليات الوصول لذلك كله وإدارة الصراع دون توحش وإيجاد تحالفات وقنوات اتصال متعددة للتغذية والتقوية، إن الخروج على القوالب التي تكفر بالآخر لا يعني أن نجعل الآخر ملاكاً بل أن ندرك أولا لماذا تقدم الآخر علينا ولماذا تمكن منا؟

في أي عمل جماعي يقام في أوربا تجد أبناء الجاليات العربية والإسلامية هي الأقل تفاعلاً !!!

باختصار شديد نحن لم نتعلم معنى الحرية، ولم نمارسها، ولم نتعرف على المسؤولية الفردية ولم نلتزم بها، ولا نحترم المسؤولية الجماعية ونرفضها، إنها مخرجات طبيعية لفكر المؤامرة وتجلياتها القاتلة.

إن الغرب ليس كما يصوره النظام العربي السياسي، ولا حتى الديني. كل المذابح والانتهاكات ودعم الثورات المضادة تتم بدعم عربي، ومال عربي قد تقول لي وبتواطؤ غربي؟ سأقول لك: نعم، ولكن هل سألت نفسك هل ستسمح أنت  للغرب أن يتطور ويتقدم لو كنت أنت مكانه؟ هل ستجلس تنظر إليه وهو يريد أن يحد من سيطرتك ؟!

إنها طبيعة الحياة وبدلا من سب الآخر واتهامه لنبحث عن قناة تواصل، ولنفكر في توسيع المشتركات وبناء الذات المعافاة قبل الشكوى من المعاناة.

وفي الختام نظرية المؤامرة أول نظرية تتآمر علينا وتنصب لنا الخداع الذاتي من خلال تأجيل الاستحقاقات الأساسية لنا والتي تتمثل في قاعدة بسيطة (إن أي كيد في الخارج هو ابن ظلم الداخل)

إن معركتنا الحقيقية ليست في أوربا ولا الغرب، بل في حالة الوعي الذاتية، وإصلاح الخلل الجمعي وبوابة ذلك تحرير الديني من سطوة الاستبداد السياسي، وإصلاح الأزمة الدستورية.

ومالم نتحرر من خداع  نظرية المؤامرة التي جعلتنا سكارى من دون أية كأس فإن قصة المأساة ستطول!!

———————

د. علاء الدين آل رشي

مدير العلاقات العامة في المركز التعليمي لحقوق الانسان بألمانيا

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها