عشق الساحرة المستديرة بين الواقع والخيال

السِحر البرازيلِي  الطوَاحين الهولندية – صلابَة الآزوري – كرامَة الألمَان – التانغو الأرجنتيني – الكلاسيكو الإسبانِي- ديربي “ديلامادونينا فى ميلانو، ديربي “الميرسيسايد  في ليفربول – قفزَة بيليه – يَد مَارادونا – إبداع كرويف – صَمت المَاركانا –  ودرَاما الريال والبَايرن .

قديماً قالَ الأسكتلندي “بيل شانكلي ” أسطورَة ليفربُول الإنجليزي وملك مَلعب الأنفليد : “يَعتقِد البَعض أن كرَة القَدم مَسألة حيَاة أو مُوت، للأسَف هَذا يَجعلنِي حزيناً جداً فهىي أكثر مِن ذلك بكثير” .

 وعلىَ الرغم مِن كونه أسطورَة نادٍِ بحجم ليفربُول، لكنه لم يَعرف يوماً مَعنى  “الدبلوماسية” ولا يَعلم مَا الثناء أو الدَعم إلا مِن أجل ليفربُول، وأتذكر حينمَا سأله صَحفي إنجليزي عَمَا إذا كانَ مُتابعاً لفريق إيفرتون الغريم التقليدي ،  فكان الرَد صادماً حيث قال :

  “طوال حياتِي وأنا أقول إننا نمتلك في المَدينة أقوى فريقين في الدوري الإنجليزي،  فريقي ليفربول والأخر ليفربول (الرديف) ، أما عن إيفرتون فلو كانَ يلعب في باحة منزلِي الخلفية لأسدلتُ الستار وتابعتُ قراءَة الأخبار !

كرَة القدَم شغف لا يَمُت بصِلة إلى مُسمى المَنطق، وإن كانَ المَنطق له دور بَارز في الشغف بكرَةِ القدَم فمَا كان مِن الشغف أن يَتواجد في الأسَاس، ويَكفِى أن يَدخل المَنطق قليلاً إلى شغفك بكرَة القدَم حَتى تبدَأ بالتفكير فِي تلك السَاعات الطويلة التِي تُهدرها في عِشق الساحرة المستديرة ، والتِي تتخطىَ مُصطلح “المُتعة”، فلا تُوجد مُتعة تجعلك تبكِى أو تحزَن لفترة، أو تُؤثر على حالتك النفسيَة رُبما لأيام كثيرة مُتتالية مثل متعة كرة القدم.

وعلى الجانب الأخر عندما سألوا الألمَاني “يُورغن كلوب” – المدير الفني الحالي لنادي ليفربول الإنجليزي-  عن كرَة القدَم أجاب :  “لا أعتقد أن كرَة القدم مُهمة جداً فنحن لا ننقِذ أروَاح الناس، و مُهمتنا هى مُساعدتهم على نسيَان مشاكلهم لمُدة تسعين دقيقة”.

كرَة القدَم عند الكثيرُين أكبر مِن أن تمتلِك تسعين دقيقة فقط في حياتِهم، بَل والأكثر مِن ذلك أنهَا تُعتبر عند البَعض أسَاس الأعبَاء والمَشاكل، والمَصدر الوحيد أحياناً المُسبب للحالة المَزاجية السيئة لدَى البعض على الأمد الطويل

لا أستطيع أن أنكر أن هناكَ إحسَاساً ينتابُني أقربُ للشعور “بالتفاهَة”، حينمَا يُواجهني العَقل لبضع ثوانِ مُتسائلاً عَن المُقابل الذى أجنيه مِن كرة القدَم في مُقابل إهدار الوَقت وتحمُل ردود الأفعَال الرَافضة لتعلقِي بتلك الكرَة الجلديَة المُستديرة. يجتاحُني هَذا الشعور حرفياً حينمَا أصل إلى مَرحلة البُكاء حزناً أو فرحاً لانتصَار فريقِي الذي أشجعه ، ولكِني أعود بعد ذلك مُتسائلاً عَن كَم المَلل الذِى كانَ سَيُسيطر على حيَاة روتينية بحتَة إن لم أكن واحداً مِن هؤلاء!

ومَا بينَ خيال بيل شانكلِي ووَاقعية يورغن كلوب ، نجد أن كرَة القدم عالم خيالي نحتاج كثيراً للعيش داخله هرباً مِن الواقع الروتيني الواقع الذي هو أسوأ مكان للعيش.

 فقط متر واحد من الخيال نستطيع أن نقبع فيه كل العمر ، ونمارس فيه كل ما لا يتسع له الواقع . نمارس فيه شغفنا وردود أفعالنا التلقائية البعيدة عَن مَخاوف الشكل المُجتمعي

وكما قال الأديب المصري توفيق الحكيم ” الخيال هو ليل الحياة الجميل هو حصننا وملاذنا من قسوة النهار الطويل! إن عالم الواقع لا يكفي وحده لحياة البشر إنه أضيق من أن يتسع لحياة إنسانية كاملة ” ، وكرة القدَم عند البَعض هي ذلك الحِصن والملاذ الذِى يأتيهم بعد قسوة النهار الطويل. 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها