عزيزتي الأم استرخي

مجرد وجودكم حولهم ولعبكم معهم أحياناً وتركهم يلعبون وحدهم أحياناً أخري، مجرد أن تقرأوا لهم قصة أو تلونوا معهم رسمة، مجرد جلسة معهم تتناقشون في أمر ما، كل هذه تنميهم وتعلمهم.

أتحدث إلى الكثير من الأمهات أنهم يخشون التقصير في حق أبنائهم لأنهم لا يقومون بعمل الكثير من الأنشطة التعليمية معهم، خاصة عندما يتابعون المدونات والمواقع المختلفة للأمهات الأخريات الذين يقومون بعمل أنشطة كثيرة ومبهرة مع أبنائهم لتعليمهم.

وهذه مخاوف طبيعية في رأيي لأن كل أم تسعي لجعل أطفالها أفضل ما يمكن ولتقدم لهم أحلي، وأفضل تجربة تعليمية ممكنه.

لكن الأمر بدأ يزيد عن حده حتى إن إحداهن قالت لي إنها تخشي أن تكون تأخرت مع طفلها الذي يبلغ من العمر 4 أشهر!! نعم 4 أشهر وليس حتى 4 سنوات!!

لماذا نفعل هذا بأنفسنا وبأطفالنا؟ لن يفوتهم شيء ولن يمضي القطار ويتركهم.

في بداية كل عام أضع خطة لأبنائي (المتعلمين منزلياً) لكي يكون لي خط سير وجدول، ونظام في تقديم المعلومات والأنشطة لهم، وأنشر هذه الخطة عبر صفحة التعليم المنزلي الخاصة بنا علها تنفع أحداً أو تكون مثل الدليل الاسترشادي الذي ممكن يستخدمه آخرون ممن لا يحبون التخطيط.

لكن الكثيرون تحدثوا معي عن هذه الجداول وتخيلوا أني أقوم بحشو كل هذه المواضيع والمعلومات -الكبيرة -في عقول صغاري ذوو الـ 5 والـ 7 أعوام !!

لو شاهدتم أيامنا لوجدتم شيئاً مختلفاً تماماً عم تتخيلون! لو سألتم أطفالي عن أجزاء النباتات ذات مرة عن طبقات الكرة الأرضية، قد يجيبونكم أحياناً قليلة؛ ولكن في الأغلب لن يتذكروا بل ربما لن يجيبوكم سوي بابتسامة صامتة!!

نعم أنا اقوم بوضع الجدول وهو مليء بالموضوعات العلمية الكبيرة؛ ولكن هذا الجدول أضعه لي أنا وليس لهم. أعرض عليهم هذه المعلومات وهذه الأنشطة فيقبلون عليها تارة فأكمل وأتعمق فيها ويزهدون فيها أحياناً فألغيها وأحياناً يستمعون أو يشاركون فتمر عليهم المعلومة مرور الكرام، فأنا أحاول عرض العلوم عليهم ليتعلموها بحب و إلا فلا، ليس لكي نختبر فيها و نحفظها و نحشو رؤوسنا بها، و قد نرمي الجداول تماما لأسبوع أو اثنين لأنهم ملوا مثلاً … حقهم الإنساني الطبيعي!

وهذه الجداول لا تمثل أكثر من نسبة 10 % من وقتنا تقريباً، أما باقي الوقت يقوم الأولاد بم هو أهم -في رأيي-وهو ببساطة اللعب.

لا تخشوا أن يتأخر أبناؤكم في الكتابة والقراءة والحساب والعلوم فكل ذلك سيحصلونه في وقته المحدد والمناسب لهم ولشخصياتهم فعندما تضئ لمبة ما لمهارة ما في ذهن الطفل فإنه ينطلق ويحصل في أيام كل ما كنت تحاولين حشوه في رأسه في سنين!

أعطيكم مثالاً بتجربة شخصية لي مع أبنائي، ابني الأكبر أحاول معه في موضوع القراءة العربية من أول العام ولكن استجابته بطيئة وكان يستثقل القراءة باللغة العربية كثيراً ويشعر أنها عبئاً ثقيلاً وصعباً، فكنت أرضي منه بالقليل، نقرأ كلمتين ثلاثة، أو نقرأ ثلاثة أسطر على الأكثر وفي الغالب كنت أنا التي تقرأ لأنه بالكاد يستطيع تجميع كلمة على بعضها.

ثم بعد حوالي 6 أشهر أخذنا إجازة مفاجئة لظرف عائلي فلم أجلس معه لقراءة ولا كلمة، كان يلعب وفقط وفجأة -عندما أنيرت لمبة القراءة-أجده يحاول قراءة العناوين على التلفزيون أو لافتات المحلات لنعود من الإجازة وهو يجيد القراءة بشكل كبير ويحبها بل ويستمتع بقراءة بعض القصص وحده دون أي تدريب مني ولا أنشطة ولا أي شيء!

ونفس الأمر مع ابنتي والأرقام، عندما كانت 3 سنوات لم تكن مهتمة فكنت أعرض عليها الأنشطة، والمعلومات وأتركها أحياناً ربما تلعب بالصلصال بجواري، وأنا أعرض عليها المعلومة ولا تبدي أي اهتمام، وبعد عام كامل أجدها قد أتقنتها وحدها.

تماما مثل الطفل الرضيع إذا كان مقدر له أن يتعلم الجلوس في الشهر السادس من عمره مثلا فسيجلس في ذلك الوقت سواء بدأت تعلميه منذ اليوم الأول أو بدأتي تعلميه في الشهر السادس نفسه، مع الفارق أنك هنا إن بدأتي مبكراً قد تتسببي في أذى له ولكن الشاهد هنا أن لكل مهارة عمر محدد سوف يستطيع عندها أن يكتسبها.

أقول هذا لأطمئنكم أولادكم سوف يتعلمون يوماً ما طالما أحبوا التعلم ولم يكرهوه أو يكرهوا عليه، لا تقلقوا إذا لم يكن لديكم الكثير من الأنشطة لتفعلوها معهم.

مجرد وجودكم حولهم ولعبكم معهم أحياناً وتركهم يلعبون وحدهم أحياناً أخري، مجرد أن تقرأوا لهم قصة أو تلونوا معهم رسمة أو تنشدوا معهم نشيداً، مجرد جلسة معهم تتناقشون في أمر ما، كل هذه أنشطة عظيمة تنميهم وتعلمهم ما هو أهم بكثير من الأنشطة التي يتعلمون بها الألف والباء!

الأطفال لديهم شغف فطري ينمو مع الأيام ما لم نقتله فيهم بالإكراه على تعلم ما لم يأت أوانه بعد، فنمو شغفهم وحببوهم في العلم، هذا هو أهم نشاط يمكن أن تقوموا به مع أطفالكم.

ليس معني كلامي أن لا نقدم لهم أي أنشطة تعلمهم أشياء أكاديمية، وإن كانت الدول المتقدمة في التعليم تبدأ في التعليم الأكاديمي عند سن الـ 7 سنوات -إلا أن كل ما أرجوه هو أن نسترخي ولا نقلق، نقوم بعمل ما نشاء من أهداف وجداول علمية وتعليمية ونضع فيها مواضيع كبيرة وصغيرة كيفما شئنا؛ لكن هذه الجداول تخصنا نحن ليكون لنا نسق في عرض أنشطة وعلوم مختلفة، أما استجابتهم فهي التي تقودنا وتحدد لنا إلى أين نتجه.

المهم ألا نجعل الدراسة والأنشطة هي الهدف في حد ذاتها وفي سبيلها يكره الأطفال العلم والتعلم وربما تتوتر علاقتنا بهم بل وربما نسرق منهم طفولتهم وأوقات لعبهم التي لن تعوض عندما يكبرون أما العلوم فستعوض لا شك

ما لن يتعوض أبدا هو اوقاتهم الطفولية الجميلة وألعابهم الخيالية وعلاقتهم الطيبة بكم وأحضانكم التي تسعهم وكلماتكم الحانية تحاوطهم فلا تحرموهم من ذلك أبداً مهما كلف الأمر، رفقاً بأطفالكم ورفقاً بأنفسكم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها