عبد الرحمن شكري يكتب: الفلاح في سوق السكر

أخشى أن يطل علينا شبح “يوسف والى” و ما فعله بالقطن في مصر حتى اختفى .. شبح جديد يتكرر مع القصب في زمن كثرت فيه الأشباح .. وعوضنا على الله.

يقرر الدكتور عبدالوهاب علام رئيس مجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة المصرية أن أزمة نقص السكر في مصر وارتفاع أسعاره مفتعلة وأن أسبابها ترجع كلها إلى الحكومة من سوء التخطيط وعدم وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع السلع الرئيسية والضرورية لحياة المواطن المصري الذي صارت ضرورات حياته كلها أزمات وذلك بسبب تضارب القرارات ومنها ملف السكر الذي يُنتج منه في مصر 2.4 مليون طن سنويا (البنجر 1.4 مليون طن _ القصب مليون طن) وأن الاستهلاك هو 3.1 مليون طن أي أن احتياجاتنا هي 700 ألف طن وأن على الحكومة إيجاد نظام تنبؤ بالأزمة.

ورغم وجود لجنة برئاسة وزير التموين تضم أكبر الخبراء المتخصصين من الوزارات المعنية قبل حدوث الأزمة ، إلا أن وزير التموين تجاوز اللجنة وطلب من الشركة القابضة للصناعات الغذائية أن تتسلم السكر من المصانع بـ 4500 جنيه وأن تسلمه لشركات الجملة بـ 10آلاف جنيه للطن وتسلمه لتاجر القطاعي بـ 12 ألف جنيه ، وأن أحد المجمعات الكبرى عرضت فرصة للجمهور شراء 3 كيلو سكر بـ 12 جنيه للكيلو ضمن حزمة مشتريات بمائة جنيه ، وأن سعر كيلو السكر في القرى يصل إلى 20 جنيها وهي أفقر المناطق ويتم فيها زراعة القصب والبنجر .

في مقابل هذه الفوضى التي تجري في سوق السكر تصر الحكومة على إجبار الفلاح تسليم القصب للمصانع بـ 500 جنية للطن وهو ظلم شديد للمنتج الذي يوفر للشعب سلعة هامة الحكومة عاجزة عن توفيرها ورغم أن من واجباتها دعم هذا الفلاح والتواصل معه- مثل كل حكومات العالم- لتقدير سعر استلام موضوعي يراعي تعبه وتكلفته ، وأن التعاون مع هذه الشريحة من المواطنين المنتجة لأهم السلع ضرورة للمواطن بعد الرغيف وأن تختصر هذا الصراع الدائر بين الجهات المتعددة التي حركها رفض الفلاحين تسليم المحصول إلا بسعر يغطي التكلفة التي يتحملونها خلال عام كامل قبل تسليم المحصول ، إذا كانت الحكومة قد حددت سعر 500 جنيه للطن فإن الفدان في المتوسط سيكون محصوله 20 ألف جنيه في حين أن تكلفته على الفلاح ( إيجار 8 آلاف جنيه + عمالة 8 آلاف جنيه + أسمدة 3 آلاف جنيه غير الرش والري والحرت والتجهيز ) إجمالي 22 ألف جنيه بلا كسب ولا تقدير تعب لعام كامل ، بمثل هذا الأسلوب تم تقدير محصول البنجر بأقل من تكلفته بعدة آلاف من الجنيهات وهو ما تم به التعامل به مع محصول الأرز إذ قدرت الحكومة طن الأرز الشعر بـ 2300 جنيه وهو يكلف الفلاح 3 آلاف جنيه فامتنع الفلاحون عن تسليم محصولهم ووقعت الحكومة في “حيص بيص” حتى تاريخه ، كل هذا أدى إلى تناقص زراعة القصب والبنجر من 300 ألف إلى 500 ألف فدان خلال العامين الماضيين ( جريدة البورصة في 5/ 11 /2016 ) .

القضية ليست غياب الدعم الحكومي للمزارعين وفقط ولكن كذلك غياب دور الاتحاد التعاوني الزراعي والجمعية العامة لمنتجي قصب السكر والبنجر في القيام بدورها

القضية ليست غياب الدعم الحكومي للمزارعين وفقط ولكن كذلك غياب دور الاتحاد التعاوني الزراعي والجمعية العامة لمنتجي قصب السكر والبنجر في القيام بدورها ودعم الفلاح وتوفير ضرورات الإنتاج والقضاء على السوق السوداء التي تصل في بعضها إلى أكثر من 100 % كالأسمدة وكذلك مشكلة التعاقد بين الفلاح ومصانع السكر أو البنجر والذي لا يضمن حقوق الفلاحين فيتحملوا وحدهم الخسائر بسبب التقاوي والنقل واستلام المحصول والوزن وتحديد نسبة السكر والشوائب والتأخر في العصر والتأخير في صرف المستحقات لأكثر من سبعة أشهر -العام الماضي – وغول البنك يلتهمهم ولا يعنيه تهاون الحكومة وتقصيرها.

كل الجهات التي تتحدث باسم الفلاحين- وقد اجتمعوا ليساوموهم- من نقابات واتحادات وجمعيات ووزارة الزراعة- التي تؤكد في كل مؤتمراتها عن القصب والبنجر أهمية وجود العقد لحفظ حقوق الفلاحين وحماية المحصول من الانهيار- وما يسمى بالبرلمان-كل هذه الجهات بجلالة قدرها- لم تستطع أن تخرق جدار الفساد الموجود في سوق السكر والمدعوم من جهات معلومة و غير معلومة لإنجاز موضوع العقد وتأكيد حقوق الفلاحين ونسوا أن القصب يدخل في أكثر من 50 صناعة بها عاملون ومستثمرون ومليون و250 ألف من الفلاحين وعمال الزراعة يعولون أسرا.. ثم ماذا تم..؟!.. بعد كل هذه الضجة الكبرى حققت الحكومة ما أرادت و بقي الفلاح على حاله لم يتحقق له شيء ومطلوب منه أن يزرع ويشقى ويستدين ويواجه وحده منظومات الفساد في الاستيراد والتصدير والتموين والشركات والقطاعات الحكومية ثم لا يطالب بشيء.

أخشى أن يطل علينا شبح يوسف والى و ما فعله بالقطن حتى اختفى ..  شبح جديد يتكرر مع القصب في زمن كثرت فيه الأشباح .. وعوضنا على الله.

عبدالرحمن شكري

نقيب فلاحي مصر

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها