طارق حسام الدين يكتب: أنا “اتمسكت”

طارق حسام الدين.. مدون مصري

استيقظت صباح ذلك اليوم علي صوت هاتفي تخبرني شاشته باتصال قادم، كانت الساعة لم تتجاوز السابعة صباحا، وعلي الرغم من عداوتي للهواتف عموما، وأثناء النوم خصوصا، إلا أنني استقبلت المكالمة، فقد كانت من صديقي مصطفى الذي غادرني فجرا متجها إلي الإسكندرية في مهمة تتبع عمله.

لم يكن من عادته أن يهاتفني في مثل هذا الوقت، فتحت الهاتف لاستمع إلي صوت مصطفى في مكالمة قصيرة خالية من التفاعلات، ” أيوه يا طارق، أنا اتمسكت “.

كانت المكالمة أثناء نقل مصطفى إلي قسم أول العامرية بعد أن تم اعتقاله بكمين على مدخل الإسكندرية وقبل أن يتم أخذ هاتفه منه.

أخبرني سريعا أن أعلم أحد زملائه في العمل بالخبر، وبدون أسئلة أو مقاطعة استمعت إلي مصطفى حتي أنهي كلامه ثم ودعته.

مصطفى يعمل مهندسا بإحدى الشركات الخاصة، يتقاضى راتبا ضئيلا نظير ما يقدمه من مجهود في عمله ونظير خبرته.

كان علي وشك أن يتم رفع راتبه من إدارة الشركة خلال أيام، ذلك الراتب الذي تعتمد عليه أسرة مصطفى محدودة الدخلِ في سد احتياجات لها في غاية الضرورة.

لكن قدر مصطفى أن يتم وضع اسمه في قضية يحكم عليه فيها بخمس سنوات غيابيا.

وعلي فداحة المصيبة وسوء الموقف، ورغم الكثير من التفاصيل التي إن ذكرت لن تزيد الأمر إلا سوءا، إلا أن التفاعل لم يكن علي ذلك القدر.

لم يكن علي قدر شاب في مقتبل حياته يتم اعتقاله فجأة ليرسل إلى السجن بحكم مقداره خمس سنوات، كان صوته هادئا ثابتا، لا تشعر وأنت تسمعه أن صاحب ذلك الصوت في ضيق أو مصيبة، بل وكأنه يخبرك بما يخبرك به كل يوم في مثل ذلك الوقت، وكأنه علي موعد مع أمر ربما لا يسره لكنه لا يسؤوه.

مثل صديقي مصطفى لن تجد دولة الرصاص والقضبان إلي قلبه مسلكا، فهذا قلب يخرج وهو على موعد مع كل ما أعدوه له.

لن يروا آثار ألم علي قسمات وجهه، لن ينحني جبينه انكسارا أو ذلا أو خضوعا، لن يعطي الدنية من سبيلِ حق هو على يقين منه، ولن يكون سلاحهم وسجونهم إلا كرمحٍ أتى سيدُنا حرام بن ملحان من خلفه فصاح ” فزت ورب الكعبة “.

السجن وتقييد الحرية شيء في غاية السوء، يكفيك منه أن يتحكم بك أراذل الخلق، يدخل عليك من علق علي كتفيه رتبة يأمرك أن تمتثل له وقوفا ويسمعك ما تكره من أقذع الألفاظ.

نحن لا نحب السجن ولا نسعي له، لكننا لا نخشاه، ولن تكون أبدا تلك القضبان عائقا يحيد بنا عن طريق الحق، وإن كتب علينا لن يكون وقعه في قلوبنا إلا كانتقالنا من منزل إلي آخر.

نقول كلمة الحق أينما كنا، ونعد أنفسنا لموعود حق بتمكين المؤمنين وهلاك الظالمين.

دخل عم الإمام أحمد ابن حنبل عليه في سجنه وهو يعذب أثناء محنة خلق القرآن، فقال له ” قلها يا أحمد ” أي قل الكلمة التي يريد الخليفة حتي تنجو من ذلك العذاب، فقال الإمام أحمد ” يا عم إني عرضت نفسي علي النار وعلي السوط فوجدتني لا أحتمل النار، والله يا عم ما بيتي والسجن إلا واحدا “.

تلك السجون التي أعدوها لكسرنا لن تزيدنا إلا صلابة، وإن تمكنوا من إيذاء أجسادنا فلن يضرونا سوي ذلك الأذى، لكنهم أبدا لن يتمكنوا من قلوبنا، فنفوسنا على عقد مع ربنا منتهاه الجنة، وعلي الطريق إليها أخرى نحبها، نصر من الله وفتح قريب.

 

طارق حسام الدين

مدون مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها