ضد نيل تايسون

 

هناك بعض الدعاوى لا يليق بها الدحض يكفي فقط القول لصاحبها، هذا إذا أنت اعرته انتباهك، هذا هراء سيدي المحترم لكن للأسف عندما يكون الهراء يقف وراءه اسم له مكانة في إحدى الفنون تجد نفسك مضطرا لتقديم حجة ضده.

ومن أين للناس أن تعرف أن العالم في الفيزياء ليس بالضرورة عالم في الفلسفة، وأن العالم في الأحياء لا علاقة له بعلم العقيدة؟ الناس لا تستطيع ان تفرق بين الاختصاصات بل إن رأي عالم في ميدانه الخاص له نفس القوة في نفس الجماهير مقابل رأي عالم من اختصاص آخر.

أخذت على نفسي منذ سنة ونصف أن أقرأ كل كتب الزنادقة وأتابع كل تصريحاتهم وحواراتهم، وبعدها أكتب ردا، أقر الحق إن وجدته عندهم وأدفع الباطل الذي عندهم فلم أجد لديهم أسخف من قضية إله الفجوات هذه، طبعاً هذه القضية تأتي في الضعف بعد شيء من لا شيء للفيلسوف الكبير والعالم المتمكن والبحر المحيط والسفسطائي المحترم لورانس كراوس.

تقول هذه النظرية إننا كلما عرفنا كيف تعمل الطبيعة أكثر تراجع دور الله أكثر، وإننا لو عرفنا كيف يعمل الشيء فلا داعي لإسناده لله. على سبيل المثال قديما كان ينزل المطر ولم نكن نعرف الآلية التي بسببها ينزل كان صائغا القول إن الله هو من ينزل المطر. أما الآن نعرف أن المطر ينزل بسبب آلية معينة أولا التبخر وهي عمليّة تحوّل الماء من حالته السّائلة إلى الغازيّة نتيجة ارتفاع درجة حرارته.

ثم التّكاثف: وهي عمليّة تحوّل الماء من حالته الغازية إلى السّائلة نتيجة انخفاض درجة حرارته ثالثا هطول الأمطار بعد أن تتكوّن السُّحُب تبدأ بالحركة في السماء متنقّلةً من مكان إلى آخر بواسطة التيّارات الهوائيّة، وبهذا نكون لا نحتاج لإقحام الله فنحن نعرف الآلية وهذا ينفي وجود الله وانا اقول هذا القول حديث خرافة وهذيان لا أكثر وهو نتيجة تعمق القوم في الهوس

يعبر عن هذه النظرية الملحد نيل تايسون قائلا: هل يعني ذلك أنه إذا كنت لا تفهم شيئاً ما والمجتمع العلمي الفيزيائي لا يفهمه أن الله فعل ذلك؟ هل تريد لعب هذه اللعبة بهذه الطريقة إذا كانت إجابتك نعم فهذه لائحة لأشياء من الماضي لم يفهمها الفيزيائيون في ذلك الوقت ولو أجرينا برنامجا حواريا قبل 200 سنة لقيل الكواكب تقوم بحركة تراجعية لا يمكن فهم ذلك لابد أن الله فعل هذا ولقلنا أتدري أنت على حق، وبعد 10 أعوام نفهم الظاهرة فماذا تفعل (1)

هل يعني هذا أنه إذا كنت تفهم الآلية التي يعمل بها شيء ما فأنت لا تحتاج إلى العلة الفاعلة لا تحتاج إلى الصانع فبمجرد التنبؤ بأسباب ظاهرة ما، يعني أن لا صانع ها هنا؟ يا سلام على المنطق هل تريد لعب هذه اللعبة وبهذه الطريقة؟ انظر إلى يسار يدك توجد فيه ساعة فهي تعمل بآلية لا تتخلف، ويمكننا أن نتنبأ بتحركاتها سواء الداخلية أم الخارجية، ومع ذلك فهي لها صانع ومن دونه لم تكن لتوجد ولكي توجد هذه الساعة يجب على الصانع أن يكون ملما بكل أجزائها وكيف تتركب والأمر عينه يقال عن الله جل في علاه أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (2)

بل أزيدك من الشعر بيتا فأنا أقول إننا إذا فهمنا الظاهرة فهذا لا يعني أنه لا صانع هنا بل يعني ذلك بالضرورة هاهنا إله وأحد أكبر المتشككين في الدين يقر هذا يقول ديفيد هيوم إن ما يدل بصورة أوضح يقينا على قدرة الله هو أنه يفوض درجة ما من قدرته إلى المخلوقات الدنيا بدل أن يحدث كل شيء بإرادته المباشرة وأن تنظيم مشغل العالم منذ البداية بذلك الكمال في التنبؤ الذي يجعله يخدم من تلقاء ذاته وبفعله الخاص جميع خطط العناية الإلهية لدليل على حكمة أكبر مما لو كان الخالق العظيم مجبرا في كل لحظة على ضبط أجزائه وتحريك كل عجلات هذه الآلة المذهلة (3)

وصاحب الدين الطبيعي هو الآخر يقر هذا المعنى يقول جان جاك روسو: إضافة الحركة المجردة إلى المادة قول ليس له معنى وأما إضافة حركة محددة إلى المادة فيقتضي القول بعلة لهذا التحديد ومما لا شك فيه أن حركة العالم محددة (4)

وقاضي قرطبة هو الآخر له نفس الرأي، يقول الوليد ابن رشد إنه واجب أن يكون ها هنا ترتيب ونظام لا يمكن ان يوجد أتقن منه ولا أتم منه وأن الامتزاجات محدودة مقدرة والموجودات الحادثة عنها واجبة وأن هذا دائما لا يخل لم يمكن أن يوجد ذلك عن الاتفاق صدفة (5)

يقول أيضا إن الترتيب والنظام وبناء المسببات على الأسباب هو الذي يدل على أنها صدرت عن علم وحكمة (6)

يقول قاضي قرطبة إنه يجب من جهة النظام الموجود في أفعال الطبيعة أن تكون موجودة عن صانع عالم (7) يا ليت شعري كيف يمكن أن يقال عن مادة ميتة لا حياة فيها تتحرك حركة دورية لكي تنفع غيرها تنفي وجود الله هذا يحدث عندما يتكلم فيزيائي في غير اختصاصه عندما يتكلم فيزيائي في الأمور الفلسفية وسيحدث الأمر عينه إذا تكلم طبيب فى الفيزياء أو محامي في الكيمياء.

ورغما عن ذلك فلو كان هذا القول الفاسد صحيحا أي أنه إذا فهمنا الآلية التي تعمل بها الظاهرة فمعنى ذلك أنه لا إله هنا فذلك لا ينفي وجود الله لأن الظواهر التي لا تخضع لسببية أكثر من الظواهر التي تخضع لها بمليون مرة. أليس هناك فيزياء الكوانتم وكلها لا تخضع لقانون السببية ألا تقولون بأن هذا علم زائف بمعنى لا يمكن التنبؤ به ولا توجد فيه السببية والحتمية. فهذا يثبت وجود الله ولكن نحن نقول الظواهر التي تخضع لسببية ونعلم الآلية التي تعمل بها فهي من الله وكذلك الأحداث التي يبدو لنا أنها لا تخضع لمبدأ السببية فهي ليست كذلك بنسبة لله عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (8)

المراجع

 

1- https://m.youtube.com/watch?v=_e4q-1OA-Do

2- سورة الملك الآية 14

3 -ديفيد هيوم مبحث في الفاهمة البشرية 103

4- جان جاك روسو إميل 205

5- الكشف عن مناهج الأدلة 168 تحقيق محمد عابد الجابري

6- الكشف عن مناهج الأدلة ص 169 تحقيق محمد عابد الجابري

7- نفس المصدر 170

8- سورة سبأ الآية 3

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها