سياسات نقدية فاشلة .. لحكومة جاهلة أم متآمرة ؟!

بالنظر لحالة الاقتصاد المصري نجد أننا لا نحتاج الى كثير تمعن للوصول إلى أن ما صدر من قرار بالأمس لن يؤدى الى كبح معدلات التضخم المرتفعة، بل سيساعد على تفاقمها.

هذا سؤال أطرحه في بداية مداخلتي حول قرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري الصادر 21/5 برفع فائدة الإيداع والإقراض نقطتين مئويتين، ليزيد المعدل الى 16.75% و17.75% على التوالي، وسأترك لحضراتكم التوصل للإجابة الصحيحة بعد قراءتكم للمداخلة.

تضمن البيان الصادر من اللجنة الإشارة الى أن السبب الرئيسي لهذا القرار هو محاولة احتواء الضغوط التضخمية وكبح معدلات التضخم المرتفعة والتي وصلت لحوالي 32% طبقا للبيان المشار اليه.

ومن الواضح أن أعضاء هذه اللجنة ومن قبلهم محافظ ومجلس ادارة البنك المركزي يحاولون الإيحاء بأن السبب الرئيسي والدافع وراء هذا القرار هو صالح المواطن المصري المطحون من ارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية للجنية.

وهل من المصادفة البحتة أن يصدر هذا القرار مباشرة بعد سلسلة من الأحداث المتتالية والمتتابعة من صندوق النقد الدولي والذي يراقب ويشرف على تنفيذ مصر لبرنامجها للإصلاح الاقتصادي: ـ

·     زيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمراجعة التزام مصر بالبرنامج الاقتصادي المتفق عليه، والنظر في الموافقة على الشريحة الثانية من قرض الصندوق لمصر، والتى تقدر بـ  مليار و250 مليون دولار.

·     سبق الزيارة تصريحات جهاد عازور مدير إدارة الشرق الأوسط في الصندوق بأن مستوى التضخم تخطى الـ 30% وأن ذلك سيؤثر بشكل سلبي على الاستقرار المالي بصفة عامة وعلى الاحتياجات الاجتماعية وأصحاب الدخول الأقل والقطاع الأفقر من السكان والحل سيكون في استخدام أدوات نقدية، وتحديدًا سعر الفائدة.

·     وتزامن مع التصريحات صدور بيان كريستين لاغارد مدير عام الصندوق أشارت فيه الي البرنامج القوي للإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه مصر، أنهم يدركون التضحيات والمصاعب التي يتعرض لها الكثير من المواطنين بسبب التضخم المرتفع، وأنهم يساعدون الحكومة للسيطرة على التضخم ويدعمون خطوت السلطات لحماية الفقراء.

وكما هو معلوم فإن التضخم – ودون الخوض في التفاصيل والمصطلحات -يعنى ببساطة ارتفاع أسعار السلع والخدمات وبالتالي ضعف القيمة الشرائية للنقود، ولعلاج التضخم واحتواء ومواجهة آثاره السلبية، فمن الضروري الوقوف على أسباب نشوئه والتي تختلف طبقا لاختلاف المناخات الاقتصادية، وما يهمنا معرفته الفرق بين التضخم الناشئ عن الطلب والتضخم الناشئ عن العرض.

الأول التضخم الناشئ عن الطلب: وهو الناشئ عن زيادة الطلب على السلع والخدمات بسبب زيادة السيولة النقدية في أيدي الموطنين مع قلة المعروض من تلك السلع لضعف الإنتاج أو توقفه.

والآخر التضخم الناشئ عن العرض: وهو الناشئ عن ارتفاع التكاليف التشغيلية لإنتاج السلع والخدمات بسبب الضرائب الجديدة، زيادة الرسوم الجمركية، زيادة أسعار الخدمات التي تؤدى للمصانع والشركات من وقود وكهرباء وخلافه، وأيضا تحرير سعر الصرف، وارتفاع معدلات الإقراض وبالتالي تقوم المصانع بتحميل كل هذه الزيادات وغيرها على أسعار السلع والخدمات.

 وبالنظر لحالة الاقتصاد المصري نجد اننا لا نحتاج الى كثير تمعن للوصول إلى أن ما صدر من قرار بالأمس لن يؤدى الى كبح معدلات التضخم المرتفعة، بل سيساعد على تفاقمها أو حتى ثباتها، فقرار رفع معدلات فائدة الإيداع والإقراض يساعد في حالة ما كان التضخم ناشئا عن الطلب، وبالتالي رفع فائدة الإيداع ستشجع المواطنين على الادخار في البنوك للاستفادة من ارتفاع الفائدة وبالضرورة سيقل الطلب على السلع الاستهلاكية فيزيد المعروض منها فتنخفض الأسعار.

أما وأن حال اقتصاداتنا ليس كذلك، إذا فالعلاج خاطئ يا سادة، فالسبب الرئيسي لزيادة معدلات التضخم بهذا الشكل هو ما سمى بتعويم الجنية أو تحرير سعر صرف الدولار مقابل الجنية، أي أنه ناشئ عن العرض وليس الطلب، لأن تغير سعر الصرف زاد من كلفة الإنتاج بالإضافة الى تطبيق ضريبة القيمة المضافة وزيادة تعرفة الخدمات والتعرفة الجمركية، كل ذلك أدى الى ارتفاع أسعار السلع.

ويأتي القرار الذي نحن بصدده ليزيد الطين بلة، فالقرار فيه رفع لفائدة الإيداع وأيضا رفع لفائدة الإقراض وهذا الارتفاع في الإقراض يعنى بالضرورة زيادة في أسعار السلع والخدمات لزيادة التكلفة التشغيلية للمنتجات كما سبق وأن أوضحنا.

وإلى هنا نأتي إلى الاجابة على التساؤل المطروح في بداية المداخلة، فالحكومة ممثلة في البنك المركزي ولجنة السياسات النقدية اتخذت قرارا من شأنه زيادة المشكلة لا علاجها، فهل تم ذلك عن عمد أم أنه عن جهل؟ كلا الخيارين مصيبة عظمى، فهذا القرار كما أنه لن يحل معضلة التضخم ومعدلاته المرتفعة فإنه أيضا سيتسبب في العديد من المشاكل والمعضلات الأخرى: –

·     زيادة عجز الموازنة بما لا يقل عن ٦٠ مليار جنيه أخرى.

·     تخفيض بند الدعم والإنفاق العام على المرافق والبنية التحتية والحد من التوسع في مخصصات الصحة والتعليم في الموازنة لصالح زيادة بند فوائد الدين العام المحلي.

·     مزيد من الركود، بسبب تشجيع الادخار بدلاً من الاستثمار.

·     مزيد من البطالة، بسبب غلق الكثير من المصانع لارتفاع التكلفة التشغيلية.

·     انخفاض ربحية المصانع والشركات العاملة لارتفاع التكلفة التشغيلية، مما سيؤثر على أسهم المسجل منها بالبورصة.

·     تراجع الاستثمارات بسبب ارتفاع تكلفة التمويل.

·     تراجع الصادرات لعدم القدرة على المنافسة الخارجية.

ما قام به البنك المركزي من رفع لمعدلات الفائدة إنما هو من السياسية النقدية الانكماشية لتقليل المعروض من النقد والحد من القروض بغرض خفض الطلب الكلي والإنفاق على السلع والخدمات، وكان الأولى بهم أن يتبعوا السياسية التوسعية لزيادة الاستثمارات والانتاج ورفع معدلات التنمية، وكل ذلك استجابة لصندوق النقد الدولي لاستكمال متطلبات الحصول على الشريحة الثانية من قرض الـ 12 مليون دولار، وذلك بعد زيارتهم الأخيرة وموافقتهم المبدئية على الشريحة الثانية، إلا أن القرار النهائي ينتظر موافقة المجلس التنفيذي للصندوق.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها