سماح إبراهيم تكتب .. خطبة الجمعة أفسدت يومي!

لن تستقيم الأرض وأنتم تعتلون المنابر متغزلون بأصواتكم المفعمة بالكذب مناصرة الظالم مهما تعددت مبرارت جهلكم أو طمعكم، أنتم المبتلون حقاً. يتبع

   سماح إبراهيم / مدونة مصرية

دخلت بصوت – لا أعرف سر سعادته – غرفتي لاستنهاضي تكرر عبارة لا ثالث لها : ” قومي … خالتك وبناتها ينتظروك ، قومي …هنتأخر علي صلاة الجمعة , قومي. إلبسي”.

كل دقيقتين تدخل لتخبرني بنفس المعلومة، وعقلي يزايد على كلامها بشكل أكثر إزعاجا ، له صدى صوت يجتهد أن  يكون بارًا.

ملتزم  بضبط النفس أمام محاولاتها المستمرة لاجتذاب روحي العالقة بفراشي بين يقظة وشبه نوم رفعت رأسي بقول: “مش رايحة سأصلي في مسجد جنبنا (بجوارنا)”، ثم عاودت النوم .

ولأنها امرأة محبة لمساجد آل بيت النبي, لم تمل من تكرار دعوتها بعدما رأت أن مجرد الرفض تطاولاً يستحق الاستغفار عنه، وقد كان لم تخرج إلا بعد أن  أدت رسالتها في إيقاظي عنوة, ولا تعلم أن إلحاحها قد يجعلني بموقف حرج أمام الله، كسول عن طاعته.

حاولت صياغة كلمات تليق بالمتحدث – أنا بالفعل لا أريد الذهاب .. لا أثق في خطباء مساجد الأوقاف, بل لا أطيق رؤية نماذج تقواهم كالعدم , هم  – ربي- من يغردون نشازاً خارج سرب واقعنا بخطب إنشائية ، لا واقع لها ولا تأثير. يعلون أصواتهم ويخفضونها بمواضيع تتفق مع إملاءات سلطة تريد توطيد نفوذها من خلالهم , ألسنة قبلت بشحن عقولهم كبطاريات، وليس فرضًا علينا أن نتحمل استفزازات شحنتهم الرخصية.

أنهي الحوار صوت ابنة خالتي وهي تنادي باسمي الذي مللت سماعه وكأنه ذكر يردده الجميع ، فبلعت مبرراتي جميعها ، أمام الأصوات الداعية.

أمام ضريح السيدة زينب وجدت الضلال والخرف يتجلى بصورته المبتدعة, شموع وأنوار مضاءة لا محل لها فكريا. زائرون يمسحون الأعمدة لتحصين أجسادهم بها. بكاء وندب شعري، وكأني بمسجد شيعة في إيران. وفي الجهة المقابله مقام آخر زجاجي لرجل صالح يدعي عبد الرحمن مليء بالصور الشخصية والنقود ، لجلب حياة أكثر حظا وسعادة لمن يريد أن ينال الكرامة والقرب من آل البيت ومن يحبونهم.

أمر مثير للإحباط. مشاهدات غابت عنها أعين وزارة الأوقاف عن عمد أو لانشغالهم بما هو أهم!

السكوت عنها إقرار بها. لم تهدأ تساؤلاتي خلال طريقي للمسجد عن الوقت الذي سيتدخل فيه المحسوبون علي قائمة العلماء لتنظيف مراتع الشيطان، وهزل الممارسات الشاذة المخالفة للعقيدة. دخلت المسجد وفي زاوية بعيدة جلسنا نستمع لقول الله فينا، الشديد منه واللين، كيف يسرد الله قصص الأمم من قبلنا، ومواضع شحذ  الهمم في قلوب عباده الصالحين ، ودعوته بآخذ كتابه بقوة، وغيرها من الجمل المعجزة والتي تليق بصاحب الكتاب عز وعلا.

 صدقت مبرراتي جميعها مع الله، واعتصر قلبي وخطيب المسجد يثمن دور رجال الأمن في حفظ مصر وأهلها وشعبها، ويدعونا لشكر نعم الله علينا وعلي بلادنا، وكأنه يتحدث عن دولة أخري لم أعايش فيها ظلمات الغدر الأمني والتصفية الجسدية! من أين لهم هذه الجرأة والوقاحة في الكذب, وهناك قرار جمهوري أصدره قائد مجازر العسكر عبد الفتاح السيسي, الأربعاء الماضي, يسمح بتخصيص مساحة 103.22 فدان تعادل 43361 مترا مربعا من الأراضي المملوكة للدولة لصالح وزارة الداخلية بدون مقابل لاستخدامها في إنشاء سجن مركزي وملحقاته، ومعسكر لإدارة قوات أمن الجيزة, بعد أن امتلأت السجون بمعتقلي الرأي الرافضين لنظامه.

ألم يصل للداعية حجم جرائم النظام بحق من يخالفه الرأي والفكرة! لم يصل إلى مسامعه أن اعتلاء السلطة جاء فوق جثامين شباب قرر الدفاع عن أحقيته في الحفاظ على مجلسه الانتخابي , وأن عنجهية أمنية وعسكرية ضربت بأصواتهم وإرادتهم عرض الحائط في انقلاب عسكري لا مجال لتأويله!

ألم  يسمع عن نساء مصريات تجرعن الذل بالسجون، وعلقن من رقابهن وأرجهلن، وضربن بالأسواط لخروجهن في مسيرات تطالب بالإفراج عن ذويهم! ألا يتابع الأخبار ممن حوله ويتمعر قلبه ووجهه لمثل هذه الحقائق الموثقة من مصادرها.

 صدق قول الرسول فيكم بحديثه الشريف : “سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وارد علي الحوض”.

 لن تستقيم الأرض وأنتم تعتلون المنابر متغزلون بأصواتكم المفعمة بالكذب مناصرة لظالم مهما تعددت مبررات جهلكم، أو طمعكم. أنتم المبتلون حقاً- لا من يتململ من سقيع زنزانته- مشنوقة أفكاركم مهما حاولتم إخفاء الحق وركنتم إلي كهفوف الباطل.

 يكفيكم بشرى الرسول لكم لتعتدلوا!: “إن في جهنم واديًا تستعيذ منه كل يوم سبعين مرة، أعده الله للقراء المرائين في أعمالهم وإن أبغض الخلق إلى الله عالم السلطان”.

عليكم ونحن من بعدكم أن نتجهز للإجابة عن سؤال إجباري يعلمه علماؤنا جيدًا؛ ولكنهم لا يذكِرون به أنفسهم: ماذا فعلتم – لرفع الظلم عن أخ لك في الإسلام, وبما نصرته! ولأجل من تعمل؟!

 سماح إبراهيم

صحفية مصرية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها