سماح إبراهيم تكتب: أقدار الله أم حماقة بشر!

كطبيعية بشرية لا تريد الاعتراف بمصائبها, ظلت تبحث عن مدلولات لفظية مريحة لتهدئة المؤلم بحياتها, فلم تجد من المسميات أفضل من “الأقدار” كجرعات كلامية تتعاطاها. يتبع

 

كطبيعية بشرية لا تريد الاعتراف بمصائبها, ظلت تبحث عن مدلولات لفظية مريحة لتهدئة المؤلم بحياتها, فلم تجد من المسميات أفضل من “الأقدار” كجرعات كلامية تتعاطاها بكل مصيبة تعترضها.

بنظرات بائسة تعول إخفاقاتها على السماء مستعينة في ذلك بالشماعة “القدرية” التي لو انطقها الله لربما وبختنا علي ضياع أوقات وفرص فارقة كان من الممكن أن يباركها القدر لولا حماقتنا البشرية التي وقفت دون ذلك, واستندت في ذلك لأصوات “القسمة والنصيب” التي تتهم من يعارضها بالكفر الفكري، ومطالبته بسرعة الاستغفار قبل الدخول في دائرة الساخط علي أقدار الله.

لم تتحدث إلينا الأقدار يوماً بأنها تريدنا “بأماكننا التي نحن عليها”! أو أنها جاءت بغرض المنع لإسكات أفكارنا أو قتل المشاعر بداخلنا! أو لنعيش مواقف الحياة بلا اجتهاد!

قد يبهرنا الله بما عنده بيوم اكتشافنا أن ما نسميها “أقدارا” لم تكن سوى اختبارات تحديد مستوي، وأن إجاباتنا عنها  قد لا تتفق مع إرادته, سيموت حسرة  أشخاص حين يعلمون أن حقيقة معاناتهم لم تكن إلا نتاجا طبيعيا لأخطائهم البشرية! وأن الله يحرك الجميع بأقداره ليرانا كيف نتعامل مع السىء منها! بل إن إصرارنا على معاندتها وسؤاله تغييرها أكثر فضلاً من الاستسلام لها!

قد يسميها الرجال “مراهقة”, أو قد يكون الضلع الأعوج بكل أنثى, أن يعطين “هن” متسعا لعاطفتهن ومساحات فكرية بالتفتيش عن شريكها بالحياة, وقد يفوق الأمر الرجال بمراحل, ضلع يطرب ببذل رجل لكسب امرأة يرى فيها فصلاً هاماً بحياته الأبدية، يتحدى من أجلها حتي يطوقها بميثاق غليط, رجل فروسيته ومكارم أخلاقه تشبه الرسل, لا تتخيل “هي” الجنة بدونه ولا يحب “هو” أن يرى النساء إلا بوجهها -وليست برومانسية حالمة -وإنما الفكر العقلاني الذي يدفعنا بجميع أمورنا للاختيار ما بين متعدد  لانتقاء الأهم والاستغناء عن الأقل أهمية, هي فطرة نسائية متعلقة ببدايات الأشياء لا تقبل التعدد الروحي كالرجال، أو بارعة مثلهم في التخلي أو الارتماء بأحضان الأقدار بسهولة!

يحب الله أن يرانا سعداء برحلاتنا وأن نغتم لرزق التألف الروحي الذي أحله لنا, ولأنها فرص غير قابلة للعبث, فقد تستحق الصبر لنيل سلام روحي ونفسي يعطينا مزيداً من الاطمئنان للموت, كالمسافر الذي عليه التدقيق في انتقاء رفيق لرحلة لا عودة منها.

كلمة السر التي لخص بها الرسول (عليه الصلاة والسلام) معايير السعادة الزوجية في اختيار الزيجة الأبدية, يجسدها صلي الله عليه وسلم بلحظاته الأخيرة علي الأرض بفراش مرضه حين كان يطالع وجه أم المؤمنيين عائشة رضي الله عنها ليجدد ميثاقه الغليظ, قائلاً: إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ الْمَوْتَ أَنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ.

لم نجد الرسول يخجل وهو أفضل الخلق حياءً وتورعاً أن يكشف عن حبه لزوجته خديجة بجمال لفظه “أنى رزقت حُبها”، أو يعلن لرجال قومه علي الملأ بأن عائشة هي أحب الناس اليه.

كي أكون أكثر إنصافاً قد تأتي الابتلاءات أيضاً بهدايا أكثر بهجة وإمتاعاً, فكم من تلقائية ساذجة في تفسير أقدارنا خلال منافشة جادة مع الله هي من تنجينا من بؤس ما تعانيه وتطمس على قلوب لمحو ما علق بها من حزن وغم، بل وترفع الشاكي إليه درجات, ليقرر هو قدرك إن أراد، ويمنع هو عنك إن أحبك، ويتودد إليك إن أحسنت التعلق بحباله.

لم تفلح محاولاتي لرفع الحرج عني أو عن كل من يحمل لقب “مسلم” ببطاقته, وأنا أضع عبارة “أقدار الله” خلال مشاهدتي اليومية للقطات مصورة لانتهاكات ومناوشات وتطاول بالأقصى ومدن الضفة والخليل، نفس العبارة وضعتها أمام من يخرجون بمسيرات مناهضة للنظام العسكري بمصر ويعتقل العشرات منهم ويصيب آخرين ثم يعدون في ثقة تامة بالنصر “غير المفهوم ملامحه” ليواصلوا نفس التفاصيل الحركية وكأنها عبادة دون ملل أو تقييم لنجاح استراتيجية الفعل التصعيدي إلا بزيادة غرف الاعتقال لتسع مسجونا جديدا، أو رصاصة غادرة تخترق لجسد ثائر منهم, لتوثيق غباء سيمفونية “صمود بلا مقاومة”.

في تصريحات سابقة لـ” أبومحمد الجولاني” أحد أبرز رجال المقاومة المسلحة وزعيم جبهة النصرة بسوريا قال إن الحل هو “الجهاد”، و”القوة”، مشيراً إلى أن التنظيم يخرّج أجيالا جهادية في الوقت الذي لا تزال فيه قيادات “القاعدة” التي قاتلت في أفغانستان، والشيشان، والعراق تقود التنظيم في سوريا.

ومع ذلك لم نر في -انتفاضة فلسطين الثالثة- أياً من الحركات الجهادية بمختلف بلدان العرب تقف  بجوار فصائل المقاومة بفلسطين, وكأنهم لا يريدون اختزال المعركة لصالح أهل الحق وهم -أهل السنة– يدركون جيداً أن مواجهة قوات الاحتلال لا يقل أهمية عن جهادهم لمنع التشيع ووقفه بسوريا واليمن والعراق، بل إن المنطقة ستعيد تشكيل خريطتها السياسية وموازين القوى بانشطار دولي وحرب  “دينية” محسومة نتائجها تتفق مع تقديرات الله التي تحدثنا عنها.

قد يكون “الابتلاء والتمحيص” فصل قدره الله لنا, ولكن إغلاق جزء منه هي مهمتنا.

سماح إبراهيم
صحفية مصرية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها