سعيد وسعيد.. صور نمطية واقترانات مبهرة

سعيد وسعيد، سعيدين اثنين ساقتهما الأقدار أو ساقتني ووضعتني في طريقهما ولكل منهما حكاية اقتران.

الأسماء مع الصور مع الشخصيات وأشياء أخرى أحببت أن اشارككم بها عبر هذه التدوينة السعيدة.

سعيد المهم، ذلك المليارديرالذي يتنقل عبر الزمان والمكان في طائرته الخاصة مع طاقمه الاستشاري المحترف الذي يضم أفرادا من مختلف دول العالم، يرتهن بإشارة صغيرة من طرف أصبع سعيد أعدادا مهولة من موظفين كثر.

ويشاء القدر أن التقيه ذات عشاء على مائدة تملق واحدة حيث تبارى الحضور في لفت انتباه سعيد لهم ولوجودهم، ولم يدخروا جهدا في انتقاء أفخم الألقاب وأعتاها في حوارهم الفج مع سعيد، كله كان ضمن المعتاد إلى أن حملت إحدى الضيفات طبقا أمامها من البطاطا المقلية وأشارت به نحو سعيد قائلة: سعيد، تأخذ بطاطا؟ ببساطة متكلفة أوحت بها للمحيطين وكأنها من أفراد العائلة أو إحدى الصديقات المقربات لسعيد.

لا أذكر حقا بما أجابها سعيد، ولا يعنيني فعلا هل أكل سعيد البطاطا أم لا؟ حتى أنني لم أعد مستفزة كما كنت في تلك اللحظة، ولكنني منذ ذلك الموقف قبل قرابة العشر سنوات لم يحدث أن وضع أحدهم أمامي صحنا من البطاطا المقلية إلا وتذكرت سعيدًا، وتذكرت تلك المرأه.

اقترانات عجيبة تصنعها عقولنا وتتمسك بها إلى درجة مثيرة للجدل، سعيد، أمراة، بطاطا، عشاء، عالم المال والأعمال، ما الرابط المميز في كل ذلك؟ لا شيئ حقا، سوى تلك الصدفة التي جمعت كل ذلك في مكان ما داخل زاوية بعيدة في عقلي.

وما السر في تمكن كل ذلك مني؟ إنه الشعور أو لنقل تلك الشرارة التي أطلقها تصرف المرأة في عقلي في تلك اللحظة، مما جعلني احتفظ بالصور المتناثرة متناغمة معا في سرد واحد.

كم من الصور نجمع في عقولنا على نفس النسق، بعضها في تناغم إيجابي فعال وبعضها الآخر على النقيض تماما فهل نعي حقا هذه السلسة من الارتباطات والاقترانات التي تشكلها عقولنا وتؤثر قطعا في سلوكياتنا؟

الصور النمطية التي تحفظها عقولنا وتوظفها بشكل تلقائي في التعامل مع الآخرين، هل قمنا فعلا بغربلتها والتأكد من صحتها قبل خاصية التفعيل تلك؟ أتساءل حقا.

سعيد الساحر

وهذا سعيد آخر يعمل كمساعد تنفيذي لاحدى مدراء الإدارات في إحدى المؤسسات الكبيرة، منح سعيد نفسه صلاحيات كثيرة وعديدة لم يمنحها أحد له، فهو يؤمن بمقولة إن لم يعطك الآخرون ما تريد فخذه بنفسك أو على الأقل اسرقه بنفسك، واحدة من ضمن هذه الصلاحيات هي إخفاء أو إتلاف بعض المعاملات الخاصة بالعملاء الذين لا يروقون لسعيد أيا كان السبب، وقد صادف حظي السعيد وحظ سعيد السيئ أن كانت أوراقي ضمن تلك الملفات السحرية التي اختفت ما إن وصلت ليدي سعيد ومكتب سعيد.

بعد انتظار لقرابة الشهرين لم أكن أملك خيارا آخر سوى رفع الصوت والمطالبة بحقي الضائع، لم يرق ذلك لسعيد فكان نصيبي الطرد من مكتبه والتهديد بعدم محاولة البحث أو السؤال أو حتى الاقتراب من مكتبه مرة أخرى.

وفي ذات الوقت الذي ظننت فيه أنني أخطأت واقتحمت عش الدبابير، وأن أوراقي قد ضاعت للأبد، وكنت قد وطنت نفسي على قبول الخسارة والاستسلام للقدر فوجئت في اليوم التالي بمكالمة هاتفية أخبرني صاحبها بأنهم قد عثروا على الأوراق وتم إنهاء المطلوب أخيرا على النحو الذي أردت.

سعيد الذي طردني من مكتبه حيث ضاعت الأوراق هو ذاته سعيد الذي أتمها في اليوم التالي، بلا سحر، ولا خفة يد، إنها المفاجأة فقط، موقفي الحازم واحتفاظي بنسخة مصورة من أوراقي هو ما أثار الخوف في نفسه.

سعيد الذي لم يعتد على مثل هذا النوع من ردات الفعل سرعان ما خاف وخشي مما حدث وقد حدثني لاحقا أحد المقربين بأن سعيدًا كان يتساءل في ذلك اليوم عن تلك الغاضبة الواثقة، ومن تعرف من المدراء والمسؤولين مما يجعلها ترفع صوتها بهذا الاصرار والتحدي.

سعيد هو الآخر صورة نمطية صنعتها عقولنا في لحظة غفلة عن إدراك الحقيقة وأضفت عليها تلك الهالة الوهمية للقوة، وتصديقا لعدم حقيقة تلك الصورة فقد انهار سعيد وتداعت قوته الخارقة مع أول صوت تجاوز حدود صوته، لم يكن سعيد ولا غير سعيد ليصنع هذه الصورة النمطية له من تلقاء نفسه بل صمتنا واستجابتنا لما يحاول هو إظهاره لنا من قوة وسيطرة وتحكم هو من مكن هذه الصورة الوهمية من عقولنا.

واثقة تماما بأننا جميعا نمتلك الكثير من مثل هذه القصص والحكايات التي تعكس صورا نمطية واقترانات مذهلة، بعضها صنعناها نحن بإدراكنا أو عدمه وبعضها الآخر يقدمها لنا المحيطين وكأنها مسلمات لابد من القبول بها والتعايش معها.

نحن بحاجة فقط إلى فسحة مناسبة من التأمل والتفكير العميق في أي موقف وحيال أي فكرة وسيغدو ذلك كفيلا بتحطيم العديد من هذه الاقترانات والصور لتكشف لعقولنا الستار عن عالم جديد ولنتفاجأ بصور مختلفة لم نرها مسبقا.
 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها