سجين كل العصور

مرشد الإخوان الراحل محمد مهدي عاكف أثناء محاكمته

استشهد الشيخ مهدي عاكف بعد ما أدى زكاة عمره في السجون وكل عمره في سبيل دعوته. فحري أن تفتح كل بيوت أبناء الحركة الاسلامية للعزاء، وواجب على كل مسلم في بقاع الأرض أن يقدم العزاء.

أُريد لهذا الصوت أن يصمت، ولحركته أن تخمد منذ أعلن عن حمل السلاح في وجه الصهاينة حين كان يدرب الشباب ويرسلهم للدفاع عن فلسطين والقدس، تماما كما أريد لأستاذه الشيخ حسن البنا عقب حرب فلسطين، فاستعجلوه بالاغتيال، وهو يرسل أصحابه للجهاد في فلسطين، ويعيد التاريخ نفسه حين تمعن السلطات في الظلم فتمنع من إقامة مراسيم العزاء كما فعل بأستاذه فدفنه أبوه والنساء، وأدخلوا أصحابه السجون فأعدم من أعدم، وقضى من قضى عمره في النفي، لتجد الجماعة نفسها في مواجهة تآمر داخلي وخارجي يدعمه هذا الكيان الصهيوني المغتصب.

كل هذا لم يزد هذه الجماعة إلا انتشارا واتساعا حتى وصلت إلى سدة الحكم في مصر، وأصبحت المنظمة المجتمعية والسياسية الأولى في العالم، وحققت المقاومة الإسلامية انتصارات عجزت الجيوش العربية مجتمعة أن تحققها في جميع حروبها وأرعبت الصهاينة وأذنابهم لتبلغ الجماعة ذروة الظلم هذه السنوات الأخيرة ويتعرض شبابها للاغتيال والنفي وتدخل غالبية قياداتها السجون، وتدخل معها الأمة الإسلامية في مؤامرات جديدة تستهدف دينها وهويتها، وتستهدف القضية الفلسطينية من أجل تصفيتها، وتعيش سنوات الفضيحة وكشف السرائر والنوايا وتتمايز الصفوف، فتفضح حركات وأحزاب، وينكشف علماء ودعاة وتتمايز الصفوف الحركات، “ليميز الله الخبيث من الطيب” التوبة 36.

بين من يعيش الآن في غياهب السجون تحت التعذيب رافضا أن يقدم استعطافا للطغاة، وهو قادر على أن يتنازل ويعيش في النعيم، أو يتراجع عن قولة حق أو تنازل عن مبدأ، ولم تشهد السجون المكتظة بالآلاف حالة واحدة -رغم التعذيب والتنكيل-وكلهم ثبات وشموخ.

تركها شهيد القرن وهو بين يدي المشنقة حين طلب منه الاعتذار مقابل الحرية والعفو بقولته ” إن سبابتي هاته التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله تأبى أن تكتب اعتذارا لطاغية”.

استشهد الشيخ مهدي عاكف بعد ما أدى زكاة عمره في السجون وكل عمره في سبيل دعوته. فحري أن تفتح كل بيوت أبناء الحركة الاسلامية للعزاء، وواجب على كل مسلم في بقاع الأرض أن يقدم العزاء، وحق له أن تقام له صلاة الجنازة في كل بقاع الأرض، فهو مدين لهم جميعا بما قدم لهذه الأمة خلال عشرات السنوات، ومدين لهم بهذه الحركة التي رعاها بصبره وثباته واستشهد من أجلها.

وأثبت الإخوان المسلمون من خلال هؤلاء الرجال أنهم لم يكونوا يرددون شعارات ويتغنون بهتافات وهم يرددون مقولتهم ” والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”، وإنما هم أصبغوا حياتهم بالصدق والصبر والجد والكد، وكانوا هم كما قال الشاعر:

كلما مات سيد قام سيد   قؤول لما قل الكرام فعول

ولقد أثبتت السنون والأحداث بأن اغتيال الشيخ حسن البنا لم يقض على حركته، كما أراد الإنجليز والصهاينة، بل كان قوة دافعة لتزيد انتشارا، فإن استشهاد الشيخ مهدي عاكف لن يزيد الحركة إلا اتساعا وانتصارا، ولن يزيد الشباب إلا هيجانا ضد الظلم ومقاومة الطاغية والمحتل، ولن يزيد منهج الاعتدال والوسطية الا انتشارا، ولرجال هذه الجماعة وقادتها الذين صهرتهم المحن إلا نصاعة وبياضا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها