سارة جودة تكتب : هون عليك

يبعثُ في قلبك إحساسَ الوحدةِ كثيراً لتلجأ إليه فإنْ فعلت، سَيمنَحُكَ القوّة وتواصلَ المسيرَ إليه .. سَيُزهِرُ خيالَكَ ويُبعِدُ ظُلمَتَه…ستنمو من دُمُوعِكَ الجافةَ أزهاراً تبُثُ الأمل.يتبع

أن تمر الحياةُ سريعاً دون توقفٍ غير مباليةٍ بك أو مكترثةً برحيل أحبتك المتكرر أو بذاك الألم الذي أضحي ملازماً لك .. ذاك الذي لم يكن في قاموسه معني فراقك .. إلي أن يصل بك المطاف أن أنْ تعْتقد أنّكَ وحيدٌ فِي هَذا العالَم .. وأنْ تَشْعُرَ أنّ كُلَّ من يمشونَ حولَكَ في الطُرُقاتِ ما هُم إلّا أُناسٌ يحرصونَ علي إتقانِ نَسخِ روتينِهمُ اليومي ..
 حتّي عنِ الأطفالِ الذينَ تُصادِفُهُم في طريقِك ،، مَن تهرُبُ مَعهُم مِن هذا الواقِعِ البائسْ .. من يضحكَ ببراءةٍ عندَ مُلاعَبَتِكَ له أصبَح بعضُهُم يُبعِدونَكَ عنهُم ضجراً وضيقاً عِندَما تُعطيهم بعضَ الحلوي، يجولُ في خاطِرِكَ أنَّهُم لا يُشبِهونَ أطفالاً كُنتَ مُعتاداً علي إعطائهِم تِلك الحلوي واصطِياد الفُرصِ لاحتضانِهم .. ويكأنَّك قد كسرتَ روتينَ وقتِ تأمُلهِم بوجوهِ المّارّه التي لم تَزُرها البسْمَةُ إطلاقاً . 

دعك من هذا الأن واسمح لي بأن أحكي بعض التفاصيل عنك ..
فكَثيراً يا صديقي ما تشعُر بأنّ خيالَك مُظلمٌ جداً لا حياةَ فيه ، حتّي أوراقُك التي تسَعُ ما تُخبِّئهُ في صدرك مليئةً بِدُمُوعِكَ التي جفَّت سريعاً ،، أمّا حُلمُكَ وهدَفُكَ في الحياةِ فأصبحَ مشوشاً .. أقرَبُ الناسِ إليكَ خذَلَك ، ومنْ حولَك يعتَقِدونَ أنَّكَ بخيرٍ تماماً فلا شئَ يؤلِمُك ، خُذِلتَ ، تُركتَ ، إستُشهِدَ أخوك ، ومن تحبُّهم غادَروا إلي الآخِرَه ،إنقطعت أنفاسُهُم ، صاروا أجساداً بِلا أرواح !


إنّها الروح .. يتَزلزَلُ كيانَك حين تتعمقُ في بحر معانيها ..

فكثيراً ما كُنت تَتمنّي اللحاق بِهمْ سَريعاً ثُمَّ تعُودُ لتتمنَّي حياةً تكونُ سبباً في شفاءِ صَدرِكَ ونيلِ القصاص مِمَّن سلبَهُم مِنك وسلب روحك برحيلهم عنك ،، أن تحيا بلا روحٍ ،، وتأبي روحك أن تعود إليك إلا بعودتهم ،، أو بالأحري إلا أن تذهب أنت إليهم ..  

أمّا بَعضٌ ِمن بَقيَ منهم .. فقد دَخلوا غَياهِب السجون ظلماً وبهتاناً ..  يُنغصُ هذا الأمر تفكيركَ كثيراً .. فلاشئ في مقدرتك أن تفعله لهم ..
ذاك العجز، الشعور المُخزي الذي إعتدت عليه كثيراً ..
وأمّا عن الذين ينعمونَ بأنّهم خارجُ أسوارِ السجونِ مِثلك فإنّك تلتَمِسُ منهم كثيراً من الدعواتِ لعلّك تستنِدُ إليها .. ثُمّ تنهضُ لِتُكملَ طريقك ..


أيضاً ما يؤسفني يا صديقي أنّي لَسْتُ بِجانِبِكْ بسبب تلك المسافات كما يسمّونها، لكنهم لم يذكروا شيئاً عن الأرواح المتصلةِ في حساباتهم تلك التي لا نؤمن بها كما تعلم ..
أذكرتُ الروح مجدداً !!
نعم .. الحقيقةُ يا صديقي أنّهُ حتي روحك التي تحملُ كل ألوان الجمال تحمّلت ما لا تُصدقُ إلي الأن أنّها تحمّلته .. إستُهلِكت كثيراً، صارت تُشبه من مات مراتٍ ومراتْ لكنّك بقيت واقفاً مُقاومًا مُستعداً لما يحمله قدَرُكَ وصابرًا علي ذلك ..

وعن جسدك الذي أضحي هزيلاً .. وما خلّفَهُ السهر والتعب وأركمهُ تحت عينيك من السواد ، وتوهجِّكَ الذي فقدته ..
لكنَّك رغم ذلك لم تأبه بما غيرَّهُ الزمنُ في تفاصيل ملامِحك ..

وعن ذاكَ الهدَفُ المُشّوشُ الذي لم تَعُد فيكَ طاقةٌ أن تواصِلَ السيرَ للوصولِ إليه .. رأسُك التي تتطاحن فيها الأفكار دون توقفٍ أو رحمةٍ بِك .. تشبه عاصفةً لا تُنبئ ببشارات الهدوءِ أبداً .


لكنك يا صديقي كثيراً ما تمنع نفسك من أن تفصح لأحدٍ عما بداخلك .. فأحياناً تكون أقل من حولك كلاماً .. وأحياناً أخري تسدُل ستار ضحكتك وروحك الخفيفة غطاءً لما تحمله داخلك من هذا الخراب المُفجعِ “)

حسناً ،، أعلمُ أنّ كل ما مررت بهِ من تجارب جعلك أقوي مما قبل .. تشعر أنك منهكٌ أحياناً .. وكلّ ما حولك يُجبِرُكَ علي الإنزواء !  

لكن دعني أُخبرُكَ سراً ما.. حلُّ كلِ ما تشْعُرُ بهِ يا صديق عندَ ربٍ فوقَ سبعِ سماواتٍ .. خلَقَ كلَّ هذا الكونْ لكنّهُ يعلَمُ تفاصيلَ تفاصيلِ حياتِك .. معَكَ في كلِّ وقتك .. يُرسِلُ من يساعِدُك .. يقدُرُ إليك أمراً تظنه شراً وهو الخيرُ كله ..  

يبعثُ في قلبك إحساسَ الوحدةِ كثيراً لتلجأ إليه .. فإنْ فعلت، سَيمنَحُكَ القوّة التي تري بوضوحٍ من خلالها هَدَفَك وحُلمَك وتواصلَ المسيرَ إليه .. سَيُزهِرُ خيالَكَ ويُبعِدُ ظُلمَتَه…ستنمو من دُمُوعِكَ الجافةَ أزهار تبُثُ الأمل فيمن حولك وكلمات ٍتشفي ألمَ كلِّ من يقرأُها ..سيجبُرُ كَسْرَكْ ، ويرزُقُك بمن يُعينُك علي القُرب إليه  ..


سَيُعلِّمُكَ أنه لن يخذلك ولو خذَلكَ أهلُ الأرضِ جميعاً ، إن تقربت إليهِ سيتقرب إليك أضعاف ما تقربت إليه .. يُحِبّكَ فيبعث حُبَّه لك في قلوب عِبادِه .. يبعَثُ منْ يحرُسُك في الوقتِ الذي لا تدري أن هناك خطراً عليك ..

فأن تجعل الله في كلِّ حياتِكَ إلي نهايةِ إنفصالِ روحكَ عن هذا الجسد نعمةٌ كبيره أغبطُ من نالها ..

هلّا لا حظت أمراً ؟ لقد سردت عليك يا صديقي ما تشعرُ به وما يؤرقُ حياتك ووضعت الحل أمامك مفتوح الإختيارات ..
فتخيَّر أيَّ طريقٍ ستذهب به إليه .. أبوابُ الله لا عدد لها مفتوحةٌ دائماً علي مصاريعها .. هي فقط بإنتظارِ قدومكَ إليها :))) يا صديقي دعني أُطل عليك وأُخبِرُكَ أنَّ اللهَ يملِكُ من كل شئٍ تُحبُّهُ كمالَهُ وشمُولَهُ ، كمال الجمال والقوه والمال والحكمةِ التي تجهل بها عند وقوع أقداره ..  

وجَبرَ الخواطر التي يتحلي بها قليلُ القليلِ من خلقه .. والرحمةِ التي تفتقدها كثيراً .. فقل لي بربك أبعدَ ذلك تركَنُ إلي غَيرِه ..
يا صديق ليس لله حاجة في الشقاء عليك أبداً .. فله حكمتهُ في أقداره فحاول معرفتها والجأ إليه .. هو وفقط ..


إعلم يقيناً أن حياتك ما هي إلا فصلٌ في روايةٍ لن تنتهي بمماتك .. فعشْ هذا الفصل جيدا .. اعبث بتفاصيله فكل شئ مقدر لك سيكون .. وأعمل لما ينجيك في باقي تلك الروايه .. وثق تمام الثقة أن رحمة الله تسعُك وتسعُ قدره الذي وضعه لك .. تسعُ حجم ألمك الذي لا يساوي شيئا في مقدارِ تلك الرحمه ..

تذّكر ياصديق أنك من اخترت هذا الطريق من البدايةِ فاصْبِر لنهايته .. أنت من أردت أن تنال ما نال أحبّاؤك فتحمّل ،، أعِدُك .. بأنه لن تكون نهايتُك بميعاد انتقالك للعالم الآخر .. ستُخلّدُ سيرتك أطول كثيرا من حياتك فاطمئن ..
أختم بنُصحكَ يا صديق أن تُسامِح من خذَلَك ، وأن تعفو عمن ترك في قلبك كسراً لا يلتئم .. فمن الذين يدخلون الجنه بغير حسابٍ من عفوا عمن ظلمهم .. واطمئن فجزاءُ عفوك عند ربِّك ..
اعلم أخيراً أنه لو هلك كل شئٍ يحيطُ بك فاللهِ باقٍ ، تيقّن أنه باقٍ يا صديق .. باقٍ هو فقط .

ساره سعيد محمد  جوده
مدونة مصرية

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها