سارة جمال تكتب: أصل ولا صورة؟!

وللأسف، فمنذ صغرى وأنا أهتم برأي الآخرين في، وأجتهد أن أرضيهم، وأحزن إذا أغضبتهم منى دون قصد، لا أحب أن يقترن اسمي بصفة سيئة. يتبع

 

من أكون في أعينهم؟

يشغلني هذا السؤال كثيرا، فدائما أحب أن أعرف صورتي عند الغير.

هذه الصورة التي رسموها دون إذن مني أو حتى عرضها علىَ بعد الانتهاء منها!

هذا القالب الصخري الذي وضعوني داخله، فبات كالسجن يخنقني كلما تحدثت معهم!

منهم من يحسن الرسم، فزاد على صورتي فنا وحسنا ما كنت أتخيله.

وآخرون يحاولون، ولكن ريشتهم لم تسعفهم في تحديد ملامحي بدقة، فأصبحت أشبه ب(بورتريه) بألوان زيتية باهتة.

وهناك من عمد أن يرسمني قبيحة، ينقصني الكثير من التفاصيل والأجزاء الأدمية، لم يفكر حتى في استخدام الألوان واكتفى باللونين الأبيض والأسود فقط!

هل لهذا الحد يشغل بالى صورتي عندهم؟

نعم، وللأسف، فمنذ صغرى وأنا أهتم برأي الآخرين في، وأجتهد أن أرضيهم، وأحزن إذا أغضبتهم منى دون قصد، لا أحب أن يقترن اسمي بصفة سيئة، فكنت طالبة مجتهدة طوال أعوامي الدراسية.

ولم أكتف بالجانب الأكاديمي فحسب، بل كانت ميولي الإعلامية واضحة في المرحلة الإعدادية، بدءا من الإذاعة المدرسية كل صباح، ومجلات الحائط، والغناء في الحفلات، وإلقاء الشعر والزجل.

وعندما بدأت أنضج فكريا ودينيا، فهمت أهمية أٌن أفرق بين إحساني في عملي وبين فعله من أجل الرياء.

ومن شدة خوفي في بداية الأمر، قررت أن ادخل الدين في كل شيء، كل نشاط افعله أحاول أن أضعه في قالب إسلامي ظنا منى أن ذلك هو الصواب والمفر الوحيد من أمراض القلوب.

أذكر موقفا ربما حفر في وجداني وعقلي بكل تفاصيله، فلا يمكنني نسيان جزء منه، عندما انتشر في مدرستنا العديد من المظاهر الغير أخلاقية كالعلاقات بين البنات والأولاد، والسجائر، والاستهزاء من المدرسين داخل الفصل بل وطرد البعض منهم إذا حاول دخول الحصة المقررة له في الفصل، وغيرها الكثير.

عندما زاد ذلك وانتشر، سهرت الليل أكتب خطبة لألقيها في الإذاعة الصباحية أمام الجميع، وبالفعل استأذنت من مدير المدرسة ومسئول الإذاعة اللذان رحبا بالفكرة بشدة.

أخذت الميكروفون وبدأت في الكلام، ومن خوفي نسيت أمر الورقة، واسترسلت في الحديث عن المبادئ والقيم التي يجب أن نتحلى بها في مدرستنا الجميلة، ثم ذكرت تلك المظاهر التي بدأت تنتشر بيننا ومدى خطورتها إذا استمرت.

عرفت وقتها أن الحكمة سبقت الموعظة الحسنة، وأن علىَ أن أغير نظرتي في إقحام الدين في كل شيء بطريقة قد تسئ له أكثر ما تميزه.

أنهيت كلامي عندما دفعني معلمي وأخذ منى الميكروفون واعتذر للجميع، ولم أستطع أن استمع إلى حديثه بسبب انفعال مدرس الجغرافيا في وجهي واتهامه لي بسوء الخلق.

وها هي معلمة الرسم ترفع يدها لتضربني على وجهي ثم قالت: بعد ما ربيناكى تطلعي تغلطي فينا كده!

وعلى الجانب الآخر، أدخلني مدير المدرسة مكتبه وصفق لي مبتسما قائلا: اللي حصل منهم ده دليل على نجاحك وعلى صدق كلامك.

انتهى اليوم، ولكن بقي تأثيره علىَ، وكلما تذكرت الموقف قلت لنفسي: لقد أخطأت، ربما كلامك كان صحيحا وربما نيتك كانت خيرا ولكن الوسيلة التي اخترتها للتعبير عن ذلك كانت خاطئة!

عرفت وقتها أن الحكمة سبقت الموعظة الحسنة، وأن علىَ أن أغير نظرتي في إقحام الدين في كل شيء بطريقة قد تسئ له أكثر ما تميزه.

وحتى أصدقكم القول، لازالت صورتي عند الآخرين تهمني وتشغلني، فأحيانا أود أن أعرف ما يدور داخل عقولهم عنى؟

أريد أن أعرف ما سر ابتسامة البعض في وجهي وهم يحملون بغضا في قلوبهم نحوي؟

كيف يتحدثون معي بهذا الحب وهم يتحدثون في غيابي عني بشكل آخر؟

لماذا لا تصبح علاقتهم بي بسيطة، فإذا غضبوا مني قالوا وبينوا، وإذا ظنوا بي ظنا غريبا صارحوني به حتى أوضح لهم!

 ربما نعتني أحدهم بصفة أنا منها بريئة، وربما أصدر حكما علىَ قبل أن يعرفني!

أريد أن أقول لهم نحن بشر، المواقف والحياة تذيب الجليد داخلنا وهي كفيلة بتغييرنا دون حول منا ولا قوة!

إن صورتي ملك لي وحدي، فهي الأصل، هي الحقيقة التي لا يعرفها الكثير، يهمني ما تقولون عنى، وما تظنون بي، ولكن لا تطلبون منى العيش معكم بصورة أنتم من رسمتموها!

سارة جمال
مدونة مصرية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها