سأعود بعد ثلاثين سنة!

ظلَّ يكتب كمن ينزف؛، كأنَّه كان يكتب بدم قلبه، أزعجه حال أمَّته المتردّي، فحاول جاهدًا أن يُشعل شمعة بدلًا من لعن الظلام .

مالك بن بني، المجهول في عصره، الحاضر بيننا اليوم بكلماته ، استطاع أن يضع يده على جرح أمَّتنا الغائر، ونكباتنا المتوالية.

كتب الفيلسوف مالك بن بني في  مشكلات الحضارة، وقابلية  الاستعمار، وقف بن نبي حياته للإصلاح، وبذل جهدًا كبيرًا لفهم مقومات الحضارة الغربية باعتباره عاش في فرنسا، غير أنّ قدمَه ظلّت ثابتة في صحراء الثقافة العربية والتاريخ الإسلامي  .
إن المشروع الإصلاحي يبدأ بتغيير الإنسان، فالإنسان هو الهدف و نقطة البدء في التغيير والبناء كانت هذه من بذور النهضة التي  ناضل لأجلها، حيث سعى لإعادة دور وفاعلية الإنسان.
كلّما أقرأ عن هذه الشخصية الفذّة ينتابني شعور غريب ممزوج بالحزن والغصة، ربما لأنّ هذا الرجل لم يأخذ حقه في زمانه، ولكنّي بالمقابل  كنت متأكدًا أنّ هذا الرجل رحل بعد أن أنهى مهتمه في هذه الدنيا وأوصل رسالته التي طالما  جاهد لأجلها ثم  حطَّ رحاله في ضيافة أرحم الراحمين.

كان يدرك أنّ أفكاره سَتُفَعَّلُ في يوم ما، فالجيوش ربّما تُهزم ولكنّ الأفكار لاتُهزم، فمالك بن نبي كان يرى منذ بداية انتاجه الفكري أنّ العالم يتجه نحو التكتل وأنّ على الإسلام أن يوجد أو يعيد دوره الحقيقي، ألا وهو الدور الاجتماعي الإنساني، فليست القضية كما كان يقول أن نُقاطع الحضارة الغربية التي تمثل إرثًا إنسانيًّا هائلًا و إنّما هي قضية تحديد وتنظيم هذه العلاقة مع تلك الحضارة.

لست اليوم بصدد الحديث عن فكر مالك بن نبي، فهذا  شرف لا أدّعيه، ولكن وجدت نفسي مضطرًا لهذه المقدّمة، إنّ أكثر ماشدَّ ذهني، وألهبَ مشاعري، هو يقين مالك بن نبي بأنّ أفكاره كانت سابقة لزمانه، كان يعرف أنّ المطلوب منه فقط أن ينثر  البذور، أمّا الحصاد فهو قادم في مشهد من الرضا والقبول.

لمّا كان  رحمه اللّه  على فراش الموت قال لزوجته “سأعود بعد ثلاثين سنة” هذه الكلمات الملهمة اخترقت حجُب قلبي واستقرت فيه، لإنّها فلسفة عميقة نحتاجها اليوم، لاسيَّما فئة الشباب،  كأنّ بن نبي يقول لنا افعل ما أنت مقتنع به وإيّاك أن تتسرع، فالأمور تتجلى وتتضح للإنسان الذي لا يتسرع، فالتسرع أعمى. 

هو يقول لنا لا تغرّنكم الشّهرة المزيفة ومشايخ اللايكات والتويتر، هذه الشهرة زائلة ولن تثبت، فهي زبد على شاطئ بحر متلاطم الأمواج، هو يقول لنا كل شيء يتطلب وقتًا والعجلة تقتله أحيانًا، لذلك لا تتعجّل، هو يقول لنا اخلص دينك يكفك القليل من العمل، ولكنّ المهم لا تتوقف عن العمل.

ختامًا مالك بن نبي عاد ، فمتى سنعود نحن؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها